للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تكثر هذه الوفادات على أبواب الخلفاء فحسب، فقد كان الخطباء يفدون على الولاة، واشتهر عمران بن حطّان بوفادة له على زياد بن أبيه، ألقى فيها خطبة رائعة (١). ومن وفدوا على الحجاج كثيرون، منهم جامع المحاربى وقد تسخّطه ببعض قوله (٢)، وكان قواده لا ينون يرسلون إليه من يخبره بانتصاراتهم على نحو ما أرسل إليه المهلب كعب بن معدان الأشقرى ينبئه بقضائه على الأزارقة (٣).

وتلقانا بجانب هذه الوفادات أخبار عن خطبهم فى المصاهرات (٤) وفى إصلاح ذات البين (٥). وهناك خطب تأخد شكل المنافرات القديمة، وهى تلك التى يقال إنها حدثت بين بعض بنى هاشم وعمرو بن العاص وبعض الأمويين وقد سبق أن ضعّفناها، ورجّحنا انتحالها، ومثلها ما يروى فى بعض كتب الأدب من خصومة أبى الأسود الدّؤلى وزوجه وارتفاعهما إلى زياد. وربما كان أهم خطيب اشتهر فى هذه المحافل الأحنف بن قيس، ويحسن أن نقف عنده وقفة قصيرة.

الأحنف (٦) بن قيس

اسمه صخر، وقيل الضحاك، من بنى سعد إحدى عشائر تميم لقّب بالأحنف لحنف (٧) كان فى رجليه جميعا، وكان دميم الهيئة تقتحمه العين، ولكنه كان يجمع خصال السيادة والشرف، من حنكة وحلم وحزم ومروءة وثقة بالنفس ومصارحة بالرأى مع حسن البيان وذلاقة اللسان. وقد نزل البصرة مع عشيرته لأول العهد بالفتوح مشاركا فيها، وأرسله بعض ولاتها فى وفد إلى عمر سنة سبع عشرة للهجرة، وكان لا يزال فى مطالع شبابه، ليعرضوا عليه شئون بلدتهم وما يحتاجون إليه فيها من زيادة


(١) البيان والتبيين ١/ ١١٨.
(٢) نفس المصدر ٢/ ١٣٥.
(٣) الكامل للمبرد ص ٦٩٤ والأغانى (طبع دار الكتب) ١٤/ ٢٨٣.
(٤) البيان والتبيين ١/ ٤٠٤، ٤/ ٧٣ وعيون الأخبار ٤/ ٧٢ والعقد الفريد ٤/ ١٤٩.
(٥) البيان والتبيين ١/ ١٠٥، ١٧٣، ٢/ ١٣٥.
(٦) انظر فى الأحنف طبقات ابن سعد ج ٧ ق ١ ص ٦٦ والاشتقاق ص ٢٤٩ والمعارف ص ٢٩ وزهر الآداب ١/ ٤٦ ووفيات الأعيان لابن خلكان والبيان والتبيين والطبرى (راجع فهرسهما).
(٧) الحنف: الاعوجاج فى الرجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>