مرّ بنا. فى الفصل الثانى-أنه كانت تعيش فى بلاد المغرب-من قديم-سكان من قبائل البربر الكثيرة، وأنه نزلتها قبل الفتح العربى الإسلامى عناصر جنسية مختلفة، منها الآسيوى مثل الفينيقيين والقرطاجيين واليهود، ومنها الأوربى مثل الإغريق والرومان والفندال. وفى الفتح نزلها عرب من آسيا قحطانيون يمانيون وعدنانيون مضريون، ونزلها معهم من كان فى جيوشهم من إيران والعراق والشام ومصر، ممن تم تعربهم وحسن إسلامهم. ولم يفتحوا جميعا المغرب ابتغاء الاستيلاء على طيّباته وخيراته، وإنما فتحوه ابتغاء نشر الدين الحنيف، فهم فاتحون ومجاهدون فى سبيل الله وسبيل دينه القويم يريدون أن ينشروه فى أطباق الأرض. وسرعان ما أخذ المغاربة يدخلون فيه أفواجا، لما رأوا فى تعاليمه من تسوية مطلقة بين أتباعه، بحيث يصبح لمن يعتنقه من البربر وغيرهم جميع ما للعربى الفاتح من الحقوق فى شئون المال وغير شئون المال، وبحيث يعم العدل المطلق الذى لا تصلح حياة الشعوب بدونه. وقد حكموا قبل العرب بالفينيقيين والرومان والإغريق، وجميعهم كانوا يرهقونهم بضرائب فادحة، وكانوا يسومونهم صورا مقيتة من الظلم التعس والقهر البشع، وما إن فتح العرب البلاد المغربية حتى ارتفع عنها القهر والظلم والضرائب الباهظة وحلّ مكان ذلك كله العدل التام الذى يكفل للناس حقوقهم دون أى ظلم أو حيف ويسوّى بينهم فى مواجهة الحياة بقسطاس سليم. وليس ذلك كل ما راعهم فى الدين الحنيف فقد راعتهم فيه أيضا بساطته الروحية بالقياس إلى المسيحية التى ظل الرومان والإغريق يحاولون نشرها فى ديارهم، إذ ليس فيه فكرة التثليث المعقدة فى المسيحية، إنما هو إله واحد يدبر الكون، ولا معبود سواه من أوثان وأحجار وكواكب مما كانت تعبده جماهير البربر قبل الفتح العربى. لذلك لا نعجب إذا رأينا البربر فى القرن الهجرى الأول يقبلون جماعات ووحدانا على اعتناق الإسلام، بفضل حملته من الفاتحين الذين تحولت كثرتهم إلى ما يشبه معلمين يعلمون إخوانهم من البربر تعاليم دينهم الحنيف.