وصدر ولاة القرن الأول الهجرى عن تلك التعاليم فى معاملتهم لهم معاملة تقوم على الإخاء والعدل والمساواة، فقد مر بنا أن حسان بن النعمان (٧١ - ٨٦ هـ) اتخذ من قبيلة جراوة الزنانية كتيبة عدادها اثنا عشر ألفا ألحقها بجيشه، وبذلك أصبح البربر المسلمون رفقاء سلاح للعرب، يقتسمون معهم بالسوية غنائم الحرب، وليس ذلك فحسب فإنه ولّى على تلك القبيلة ابنا للكاهنة التى هزمها فى معركة ضارية، وبذلك أصبح البربر يقودون الكتائب فى الجيش العربى ويتولون بعض الولايات مثل إخوانهم من العرب تماما، وكان من تدبيره السياسى الحكيم أن وزّع على صغار الفلاحين من البربر مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية التى كانت تمتلكها الحكومة البيزنطية، مما جذب إليه وإلى الإسلام قلوب البربر، ووضع الخراج على الأرض بعدالة تامة وبدون أدنى ظلم أو عسف. ودعم العربية إذ دوّن الدواوين وجعلها اللغة الرسمية، فأضاف حاجة البربر إليها فى تخاطبهم مع الحكومة العربية وولاتها الكثيرين إلى حاجتهم إليها فى أداء شعائر الإسلام وتلاوة كتابه التى تعد جزءا لا يتجزأ من اعتناق البربرى للدين الحنيف. وخلف حسانا موسى بن نصير على ولاية المغرب (٨٦ - ٩٦ هـ) فأحكم مثله المساواة التامة بين العرب والبربر فى جميع الحقوق وجميع الشئون الخاصة بالحكومة، وقد فتح منطقة زغوان وصار على رأس جيش عربى بربرى حتى المغرب الأقصى يرتب شئون الولايات التى قسم إليها المغرب، وقد جعل منها للمغرب الأقصى ولايتين: ولاية السوس أو سجلماسة فى الجنوب وولاية طنجة فى الشمال، وجعل على طنجة واليا بربريا هو طارق بن زياد الورفجومى، وأبقى معه-فى قول بعض المؤرخين-تسعة وعشرين ألف جندى: سبعة عشر ألفا من العرب واثنى عشر ألفا من البربر، وأمر العرب أن يعلموا إخوانهم البربر ما يتيسر من القرآن الكريم وتعاليم الإسلام. وفى سنة ٩٢ هـ/٧١١ م كتب موسى إلى طارق أن يغزو الأندلس-أو بعبارة أدق-إيبيريا، فجهّز جيشا عداده اثنا عشر ألفا اجتاز الزقاق إلى إيبيريا، ونزل فى مكان سمّى باسمه جبل طارق، وفتح طارق فى برهة قصيرة شطرا كبيرا من إيبيريا، واستمدّ موسى، فتبعه موسى بجيش، وأتما معا فتح إيبيريا.
وإنما سقنا ذلك كله لندل على أن البربر أصبحوا سريعا منذ القرن الهجرى الأول أمة عربية تدين بالإسلام وتنطق جماهير كبيرة منها العربية، وما نكاد نتقدم فى العقد الثانى للهجرة حتى يتولى على المغرب يزيد بن أبى مسلم صاحب شرطة الحجاج سنة ١٠٢ هـ/٧٢٠ م فينقض سياسة ولاة المغرب قبله ويأخذ فى فرض الضرائب الباهظة على البربر، فما يستدير عام ولايته الأول حتى يقتلوه، وما هى إلا سنوات حتى تولى على المغرب فى سنة ١١٤ هـ/٧٣٢ م عبيد الله بن الحبحاب، فأوحى إلى عماله فى جميع أنحاء المغرب أن يفرّقوا بين البربر والعرب فى الخراج وجميع الشئون المالية، واستشعر البربر فى ذلك عسفا لا يطاق، وكان قد نزل بديارهم كثيرون من الخوارج وخاصة من فرقتى الصفرية والإباضية، وكثر الأولون فى المغرب