ومن مادحيه سهل بن مهران، وعرف بأنه كان ممن يطيلون فيجيدون. وولى-بعد على- صقلية جعفر بن محمد فحسنت به الأحوال واستقامت الأمور إلى أن توفى سنة ٣٧٥ وخلفه أخوه عبد الله ولم تطل مدته إذ توفى بعد عامين، وولى بعده ابنه يوسف، وكان عادلا حسن السيرة فأحبه الناس ولقّبه الخليفة الفاطمى بلقب ثقة الدولة وعمّ الرخاء والأمن فى أنحاء الجزيرة وفى عهده وصل حكم الكلبيين فيها إلى القمة المبتغاة من المجد والعزة، ووفد عليه الشعراء من إفريقية التونسية ومن الجزائر يمدحونه وفى مقدمتهم محمد بن عبدون السوسى الذى ترجمنا له بين شعراء تونس وأطلنا فى بيان صلته بثقة الدولة وابنه جعفر، وعلى شاكلته شاعر الجزائر أبو محمد عبد الله بن محمد التنوخى المعروف بابن قاضى ميلة، وله فى ثقة الدولة مدحة ضافية، ومن شعراء صقلية الذين دبّجوا فيه المدائح الطوال ابن القرقورى وهاشم بن يونس ولهما فى الخريدة مدحتان فى ثقة الدولة نوّها فيهما بشجاعته وبأسه، وعلى شاكلتهما شعر مشرف بن راشد، وإن لم يسم ممدوحه، ومن شعرائه الحسن بن محمد الطوبى، وله مدحة فى المعز بن باديس، ومنهم محمد بن أحمد أبو عبد الله الصقلى صاحب ديوان الإنشاء، وله فى ثقة الدولة مرثية استهلها بقوله:(حنانيك ما حىّ على الدهر يسلم). وأخذت الولاية الصقلية تتضعضع فى عهد ابنه جعفر ثم فى عهد أخيه أحمد الأكحل، ومن شعرائهما المشرف بن راشد وابن الخياط، وثار عليه الصقليون كما أسلفنا واستغاثوا بالمعز بن باديس صاحب القيروان وإفريقية التونسية، ثم عادوا فولّوا عليهم صمصام الدولة وسرعان ما يثور به الصقليون وتدخل صقلية فى عصر أمراء الطوائف، وأصبح لكل أمير شاعره أو شعراؤه، فمحمد بن القاسم بن زيد ينحاز إلى على بن نعمة صاحب جرجنت وقصريانة، وعبد الحليم الصقلى إلى ابن متكود فى مازر وابن الخياط إلى ابن الثمنة فى بلرم، ونلتقى بعد ذلك بالشعراء الذين بكوا صقلية ومدنها حين سقطت فى حجر النورمان من أمثال أبى محمد القاسم بن عبد الله التميمى وابن حمديس. وحرى بنا أن نتوقف الآن لنتحدث عن شعراء الشعر الصقلى موزعين على موضوعاته.
[٢ - شعراء المديح]
ظل المديح يدبّج فى أمراء الأسرة الكلبية طوال حكمها لصقلية، غير أن كتب المختارات لم تعرض علينا منه إلا شظايا: بيتا أو بيتين من القصيدة مع عرضها فى الغالب لمقدمتها من الغزل وغير الغزل، وكانت صقلية قد أخذت تكتط بالشعراء منذ عصر ثقة الدولة يوسف بن عبد الله الكلبى (٣٧٧ - ٣٨٨ هـ) وجاءه من يمدحونه من الجزائر وإفريقية التونسية كما أسلفنا وكثر من يمدحونه فى صقلية نفسها من أبنائها الشعراء مثل أبى الفتح محمد بن الحسين بن القرقورى