للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكاتب، وله يعتز به وبما ينال من عطاياه فى التخلص إلى المدح من قصيدة (١):

وماذا عليهم أن أجود بتالدى ... وأفنى طريفى قبل يومى وأتلف (٢)

لهم ما اقتنوا فليحرصوا فى ادّخاره ... ولى كنز شعر لا يبيد ويوسف

ويوسف هو يوسف بن عبد الله ثقة الدولة، وهو يقول لخصومه الذين يعنّفونه لتبذيره أمواله إنه لا يخشى شيئا من هذا التبذير طالما ينظم مدائحه المطولة فى يوسف ويسبغ عليه عطاياه.

وأكبر الظن أن ما ساقه العماد للمشرف بن راشد وهاشم بن يونس من مديح لقائد بشجاعته إنما يريدان به ثقة الدولة، وهى أبيات محدودة. ومن شعراء ثقة الدولة على بن الحسن الطوبى، وكان يلازمه ونراه بعد وفاته يعبر البحر إلى المعز بن باديس صاحب إفريقية التونسية، وله يقول من مدحة رصّع بها ديوانه كما يقول العماد (٣):

إليك معزّ الدين وابن نصيره ... حملت عقود المدح بعد انتخابها

وأثواب حمد حكت أثواب وشيها ... على ثقة منى بعظم ثوابها

وكان الشعراء فى صقلية وإفريقية التونسية كثيرا ما يتبادلون ممدوحيهم، فالشاعر القيروانى يعبر البحر لمدح الوالى أو الأمير الكلبى كما عبره محمد بن عبدون السوسى، والشاعر الصقلى يجتاز بدوره البحر ليمدح الأمير القيروانى أو الأمير المشهور فى عصر أمراء الطوائف ويلقانا بأخرة من عصر الكلبيين ابن الخياط، وسنخصه بكلمة، ونلتقى بعده بجعفر بن الطيب الكلبى، وكان شاعرا مجيدا، وله قصيدة بديعة يمدح بها مدافع بن رشيد الهلالى أمير قابس فى آخر عهد أمراء الطوائف، وله يخاطب ناقته فيها (٤):

سأنزل عنك فى مرعى خصيب ... وماء بارد عذب فرات

بأرض مدافع مأوى الأمانى ... وقتّال السنين المجدبات

فيحمل عنك همّى فوق طرف ... سبوق من خيول سابقات (٥)

أغرّ تخاله ريحا أعيرت ... قوائم باللّجين محجّلات (٦)

لقد أطمعت فى جدواك حتى ... سباع الطّير من بعض العفاة (٧)

وهو يقول لناقته إنه سينزل عنها فى مرعى مدافع الخصيب حصن الأمانى وقتّال السنين


(١) الخريدة ١/ ٩٦.
(٢) تالدى: مالى القديم. طريفى: مالى الجديد.
(٣) الخريدة ١/ ٧٣.
(٤) الخريدة ١/ ١١٣.
(٥) طرف: فرس كريم.
(٦) أغر: له غرة بيضاء. قوائم محجلة: بيضاء أو بها بعض بياض. اللجين: الفضة.
(٧) جدواك: عطائك، والعفاة: طلاب المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>