للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العجاف المجدبات، فيحمله فوق حصان سبوق أغرّ قوائمه محجلة بلجين يخطف الأبصار، ويقول له لقد أطمعت فى كرمك الفيّاض حتى إن سباع الطير لتلزمك وتلزم جيشك لما تعرف من كرمك وفتكك المستمر بالأعداء، حتى لكأنها من طلاب النوال.

ويظلّ العهد النورمانى صقلية، وكان المظنون أن لا يمجد الشعراء المسلمون الذين ظلوا هناك ملوك النورمان، ويبدو أنهم كانوا يفرضون على الشعراء تمجيدهم، وكانوا يضطرون إليه أحيانا لأنهم أسرى فى أيديهم ويريدون أن يفكوا عن أقدامهم أغلال الأسر، على نحو ما نجد عند أبى حفص عمر بن حسن النحوى فى مديحه لروجار الثانى وهو فى قبضة سجنه قصيدة له وفيها يقول (١):

يهتزّ للجدوى اهتزاز مهنّد ... يهتزّ فى كفّيه يوم جلاده

ويضيئ فى الدّيجور ضوء جبينه ... فتخال ضوء الشمس من حسّاده

وأظنها كانت فدية لتحريره وأنه ردّ إليه حريته. ويدل على ما نقول من أن الشعراء المسلمين كانوا يضطرون أحيانا إلى مديح روجار أن نجد شاعرا يسمى عبد الرحمن بن رمضان المالطى استنفد معظم شعره-كما يقول ابن بشرون-فى مدح روجار الإفرنجى المستولى على صقلية يسأله العودة إلى مدينة مالطة، ولا يحصل منه إلا على المغالطة (٢). غير أننا نجد ثلاثة شعراء يشيدون لروجار الثانى بقصوره-وفى قصريه: القبة والمنصورية يقول عبد الرحمن بن محمد البثيري (٣):

وقصور منصوريّة ... حطّ السرور بها مطيّه

أعجب بمنزلها الذى ... قد أكمل الرحمن زيّه

ورياضه الأنف التى ... عادت بها الدنيا زهيّه (٤)

وأسود شاذروانه ... تهمى مياها كوثريّه (٥)

وهو يقول إن السرور ألقى عصا تسياره بهذه القصور لجمالها وينوه بمكانها وما حولها من الرياض وأزهارها العطرة وحللها البهية، وما بها من الأسود التى تمج المياه من أفواهها فى شكل بديع وكنا نؤثر له أن لا يزجّ باسم الرحمن ومياه الكوثر نهر الجنة فى قصيدة يقدمها لملك نصرانى. وحين قدّم قصيدته إلى ابن بشرون ليسجلها فى كتابه: «المختار من النظم والنثر لأفاضل العصر» سأله أن يعارضه بقصيدة على وزنها وروّيها فقال (٦):


(١) الخريدة ١/ ٤٥ وإنباه الرواة ٤/ ٣٢٨ والجدوى: العطية والمهند: السيف.
(٢) الخريدة ٢/ ٢١٠.
(٣) الخريدة ١/ ٢٣.
(٤) الأنف: الجديدة.
(٥) الشاذروان: مقدم البيت. تهمى: تصب. كوثرية: كأنها من مياه نهر الفردوس: الكوثر.
(٦) الخريدة ١/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>