للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لله منصوريّة ... راقت ببهجتها البهيّه

وبقصرها الحسن البناء ... والشكل والغرف العليّه

وبوحشيها ومياهها ال‍ ... ‍غزر العيون الكوثريّه

وقد اكتست جنّاتها ... من نبتها حللا بهيّه

ويقول العماد: اقتصرت من القصيدتين على ما أوردته، لأنهما فى مدح الكفار فما أثبتّه، ونحن بدورنا إنما اقتطفنا بعضا مما أنشده من قصيدتى الشاعرين، وقصر ثالث هو قصر الفوّارة شرقى بلرم، وقد عنى روجار الثانى-فيما نظن-ببركة بجواره أمر أن يوضع فيها السمك من كل نوع وأن تحف بها الأشجار والأزهار بحيث تصبح متنزّها بديعا وفى الفوارة ورياضها يقول عبد الرحمن بن أبى العباس الأطرابنشى (١):

فوّارة البحرين جمّعت المنى ... عيش يطيب ومنظر يستعظم

وكأنّ أغصان الرياض تطاولت ... ترنو إلى سمك المياه وتبسم

وكأنّ نازيج الجزيرة إذ زها ... نار على قضب الزّبرجد تضرم

وكأنما اللّيمون صفرة عاشق ... قد بات من ألم النّوى يتألّم

والنّخلتان كعاشقين استخلصا ... حذر العدا حصنا منيعا منهم

يا نخلتى بحرى بلرم سقيتما ... صوب الحيا بتواصل لا يصرم (٢)

هنّيتما مرّ الزمان ونلتما ... كلّ الأمانى والحوادث نوّم

والبحرين يريد بهما بحر البركة وبحر خليج بلرم، وهو يشيد بالبركة وما عليها من أشجار تطاولت أغصانها بأزهارها لترسل ببسماتها إلى سمك البركة، ويتخيل النارنج نارا مضرمة على قضب زبرجدية، والليمون يحيط بها وقد علا وجهه صفرة العشاق، وتسترعيه النخلتان المغروستان على حافة البركة وكأنما هما بقية للعرب وصحرائهم فى الجزيرة ويتخيلهما كعاشقين، استخلصا لهما حصنا منيعا فى عنان السماء ولا يستطيع الأعداء الوصول إليه، ويستمر فى الدعاء لهما أن يرعاهما المطر بتواصل لا ينقطع أبدا، وأن تظللهما الهناءة على طول الزمان وكل ما تصبوان إليه، وتظل الحوادث نائمة عنهما لا تنالهما أى نيل. ويبدو أن الشاعر لم يتماد فى مديح روجار كما تمادى عبد الرحمن البثيري وابن بشرون المهدوى، ولذلك لم يعلق عليه العماد بتعليق مماثل، ونعجب أن لا يستنكف هؤلاء الشعراء المسلمون من مديح ملوك النصارى الذين نهبوا منهم الأرض وأحالوها أنهارا من دماء أهليهم، ولكن ربما ألجأتهم إلى ذلك ضرورة من أسر أو تعذيب أو معاملة سيئة، ولن نستطيع بحال الاعتذار عن الشريف الإدريسي وذهابه إلى


(١) الخريدة ١/ ٢٥.
(٢) الحيا: الغيث. يصرم: يقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>