كان للسرّ والأمانة والكت ... مان إن باح بالحديث الرسول
وضحك صديقه طويلا. واعترف له بأخذه، وردّه عليه. وهذا هو أبو الشبل ماجن خليع، يسرف فى الخلاعة والمجون، بل فى الاستهتار والتهتك، وهو مع ذلك صاحب نوادر، لا نوادر يحكيها فحسب، بل نوادر حدثت له كان يحكيها وينظم فيها أشعاره.
عبد الله (١) بن العباس بن الفضل بن الربيع
حفيد الفضل بن الربيع وزير الرشيد والأمين، نشّئ فى الحلية والترف والنعيم، وقد عنى أبوه بتعليمه وتثقيفه حتى أحسن الشعر، وكان يقوله على الطبيعة مرسلا نفسه على سجيتها، لا يتكلف فيه ولا يتعمّل. ويقول أبو الفرج شعره مطبوع ظريف مليح المذهب من أشعار المترفين وأولاد النعم، ويقول: كما كان شاعرا مطبوعا كان مغنيا محسنا جيد الصنعة. ويقال إن سبب تعلمه الغناء أنه تعلق بجارية لعمّته رقيّة كانت تتقن الغناء، تسمى عاليج، شغفت قلبه حبّا. فكان يلزمها بعلة الغناء. وكان يأخذ عنها وعن صواحبها ما أحسنّه من الأصوات والأدوار، حتى أقررن له بالحذق. وصار يلازم من يختلفون إلى بيته من المغنين أمثال إسحق الموصلى. وكاد لا يترك لهم صوتا دون أن يأخذه. وكان جوارى الحارث بن بسخنّر وابنه محمد يدخلن إلى داره فيطرحن على الجوارى بها ما ليس عندهن من غناء.
وكل ذلك أتاح له أن يتثقف بالغناء، بل أن يصبح ماهرا فيه. وترتفع شهرته فى إحسانه إلى آذان الخلفاء، فيطلبونه اسماع أغانيه، وكان أول من طلبه الواثق، وله فيه أصوات مدحه بها. وغنّاه فيها فملأه طربا، من ذلك ما يروى من أن الواثق عوفى من مرض ألمّ به فطلبه مع طائفة من المغنين، فلما صار قريبا من مجلسه بحيث يسمع صوته ضرب على عود مغنيا بيتين قالهما فى طريقه إليه على هذا النمط:
(١) انظر فى عبد الله وحياته وأشعاره الأغانى (طبعة الساسى) ١٧/ ١٢١ وتاريخ بغداد ١٠/ ٣٦ والديارات ص ٦٣ وما بعدها وذيل زهر الآداب ص ١١٥