للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأين الشيب قد ألب‍ ... سنى أبّهة الكهل

فأعرضن وقد كنّ ... إذا قيل أبو شبل

تساعين فرقّعن ال‍ ... كوى بالأعين النّجل (١)

ومرّ بنا هجاء الخنساء جارية هشام المكفوف له، وله فيها هجاء مسف إسفافا شديدا، وهو فى هجائه يفحش إلى درجة بعيدة تؤذى الأذواق السليمة. وكان قد اشترى كبشا لعيد الأضحى فظل يعلفه ويسمّنه، وأفلت يوما منه على قنديل كان يسرجه بين يديه وعلى سراج وقارورة للزيت، فكسر القنديل وانصبّ الزيت على ثيابه وكتبه وفراشه، فلما رأى منه ذلك ذبحه قبل الأضحى، ونظم قصيدة فى رثاء قنديله يقول فيها:

يا عين بكّى لفقد مسرجة ... كانت عمود الضياء والنور

صينيّة الصين حين أبدعها ... مصوّر الحسن بالتصاوير

مسرجتى كم كشفت من ظلم ... جلّيت ظلماءها بتنوير

إن كان أودى بك الزمان فقد ... أبقيت منك الحديث فى الدّور

ومضى يصور كيف انتقم للمسرجة، فذبح الكبش ومزقه بالمدى وألقى به فى القدور وكيف أن السّنانير والحدأة والغربان والكلاب طعمت من لحمه وعظامه، وكان ذلك عرسا لها جميعا بدون مزامير ومغنين. وتلك عاقبة البغى، مصرعه وخيم.

ودخل داره بعض أصدقائه ورأى أن يعبث به، ولفته ثلث قرطاس كان يحتفظ به أبو الشبل، فأخذه ولم يعلمه بما صنع، فلما مرت بعض أيام جاء صديقه، فأنشده مرثية طويلة لذلك الجزء من القرطاس، وفيه يقول:

فكر تعترى وحزن طويل ... وسقيم أنحى عليه النّحول

ليس يبكى رسما ولا طللام‍ ... حّ كما تندب الرّبى والطّاول (٢)

إنما حزنه على ثلث كا ... ن لحاجاته فغالته غول (٣)


(١) الكوى: الخروق فى الأبواب والنوافذ.
(٢) مح: عفا ودرس.
(٣) غالته: أهلكته.

<<  <  ج: ص:  >  >>