للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ لم يعد يدرى أيهما السائل لجين الماء أو جواهر المرمر الناصعة البياض، ويشيد بما فى البهو من زخارف بديعة ترصع أعمدته. ويلتفت إلى قاعة السفراء أو قاعة العرش البهيجة وما يعلوها من برج قمارش المصعد فى السماء وينشد:

وطامحة فى الجوّ غير مطالة ... يردّ مداها الطّرف أحسر عانيا (١)

تمدّ لها الجوزاء كفّ مصافح ... ويدنو لها بدر السماء مناجيا

ولا عجب أن فاتت الشّهب بالعلا ... وأن جاوزت منها المدى المتناهيا

والأبيات السالفة جميعا لا تزال ترصع البهو إلى اليوم ومعها غيرها من نفس القصيدة امتدت على حافات النافورة وحيطان البهو وقاعة بنى سراج المتصلة به. ويصور ابن زمرك فى نفس القصيدة جنة العريف القائمة فى مدخل القصر، وهى من عجائب البساتين والرياض فى الدنيا، وكأنما تكمل زينة القصر بل كأنما تكمل العرس البهيج الذى لا يزال قائما فيه ليل نهار بدون أهله.

ولابن زمرك خمس عشرة موشحة أكثرها فى مديح الغنى بالله، وإحداها فى مديح الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وجمهورها من مخلع البسيط. واشتهرت له موشحات صبحية يذكر فيها وداع صاحبته فى الصباح، ولذلك أصل واضح عند الأندلسيين قبله بل عند العرب منذ عمر بن أبى ربيعة وسنعرض لذلك فى حديثنا عن الغزل، ويعد ابن زمرك بدون ريب آخر الشعراء الأندلسيين المبدعين.

[٤ - شعراء الفخر والهجاء]

[(أ) شعراء الفخر]

الفخر من أغراض الشعر العربى التى رافقته-مثل المدح-من قديم، وقد ظل الشعراء يتغنون به طوال العصور الإسلامية مجسّدين فيه دائما مثاليتهم الخلقية الفردية من الوفاء والمروءة والعزة والكرامة وغير ذلك من الشّيم الرفيعة كما يتغنون عصبياتهم القبلية والقومية وبأسهم وشجاعتهم الحربية التى يسحقون بها أعداءهم. وأول ما يسوقه الرواة من أشعار الفخر فى الأندلس يضيفونه إلى الأسرة الأموية وحكامها منذ القرن


(١) أحسر: كليلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>