للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانى الهجرى وخاصة على لسان الحكم الربضى (١٨٠ - ٢٠٦ هـ‍) الذى استطاع بحزمه ومضائه وجلده أن يقضى قضاء مبرما على ثورة أهل الرّبض الجنوبى بقرطبة، مما جعله ينشد مبتهجا بعد تلك الوقعة (١):

رأبت صدوع الأرض بالسيف راقعا ... وقدما لأمت الشّعب مذ كنت يافعا (٢)

فسائل ثغورى هل بها اليوم ثغرة ... أبادرها مستنضى السّيف دارعا (٣)

وشافه على الأرض الفضاء جماجما ... كأقحاف شريان الهبيد لوامعا (٤)

تنبّيك أنى لم أكن فى قراعهم ... بوان وأنى كنت بالسيف قارعا

ومع تلك الأبيات أبيات أخرى يصور فيها رباطة جأشه فى القتال وأنه لا ينكل عن الحرب ولا يتراجع حتى يذيق أعداءه الموت ناقعا. ويهتف شاب أموى متهور فى عهد ابنه عبد الرحمن الأوسط يسمى بشر بن حبيب الملقب بدحّون أنه فوق الناس جميعا من بيته وغيره وأنه سيشعل الأرض ويضرمها بنيران الحروب، فيزجّ به عبد الرحمن فى غياهب السجون ثم يعفو عنه ويرد إليه حريته.

ومرّ بنا فى الفصل الأول كيف أن نيران فتنة هائلة بين المولدين والمسالمة والنصارى من جهة وبين العرب من جهة ثانية أخذت تتقد فى نواح كثيرة بالأندلس لأواخر عهد الأمير محمد، وظلت لعهد الأمير عبد الله (٢٧٥ - ٣٠٠ هـ‍) وقادها فى نواحى مالقة عمر ابن حفصون وفى نواحى بطليوس عبد الرحمن الجليقى وأخذ يطير من هذه الفتنة شرر كثير إلى إلبيرة فى أوائل عهد الأمير عبد الله، وقاد العرب فيها يحيى بن صقالة وفتك به المولدون والنصارى، فقادهم سوار بن حمدون المحاربى القيسى، وساعده الأيمن سعيد بن جودى وكان فارسا وشاعرا مجيدا، وواقع سوار جموع النصارى والمولدين ثأرا لابن صقالة سنة ٢٧٦ وفتك بسبعة آلاف منهم، وتغنّى بهذه الوقعة سعيد بن جودى مفاخرا متوعدا ومهددا، وأخذ كثيرون من العرب من كورتى جيّان وريّة يتجمعون إلى سوار فى حصن غرناطة، بينما لاذ المولدون والنصارى بعمر بن حفصون، ونشبت بين الفئتين معركة اندحر فيها النصارى والمولدون من أهل إلبيرة، ولسعيد بن جودى فيها قصيدة


(١) المغرب ١/ ٤٤.
(٢) يقصد بصدوع الأرض انشقاقات الثائرين، ورأب: لأم وأصلح. والشعب: الصدع والانفراج بين جبلين. والاستعارة واضحة.
(٣) مستنضى السيف: شاهره، دارعا: لا بسا درع الحرب والنزال.
(٤) أقحاف: رءوس. الهبيد: الحنظل.

<<  <  ج: ص:  >  >>