للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حماسية ملتهبة، وحانت بعدها للمولدين والمسالمة والنصارى غرّة من سوار ففتكوا به سنة ٢٧٧ وأمّر العرب عليهم سعيد بن جودى، فقادهم سبع سنوات أنزل فيها بخصومهم هزائم كثيرة إلى أن قتل غيلة سنة ٢٨٤ وله أشعار كثيرة يحرّض فيها العرب ويفاخر ببأسه وشجاعته، وسنخصه بترجمة عما قليل. واندلعت مع المعارك الحربية لهذه الفتنة معركة شعرية (١) نظم فيها شعر حماسى كثير يكتظ بالتهديد والوعيد بين شاعر للمولدين يلقب بالعبلى واسمه عبد الرحمن (أو عبد الله) بن محمد وبين شاعر للعرب يسمى الأسدى محمد بن سعيد بن مخارق من أسد بنى خزيمة، ومن قول العبلى فى إحدى قصائده يهوّن من العرب وجموعهم بغرناطة:

منازلهم منهم قفار بلاقع ... تجارى السّفا فيها الرّياح الزعازع (٢)

ومضى يهدد العرب بوقائع مبيرة تحصدهم حصدا، فردّ عليه الأسدى ناقضا لقوله، منذرا متوعدا له ولجماعته بالويل والثبور يقول:

منازلنا معمورة لا بلاقع ... وقلعتنا حصن من الضّيم مانع

ألا فائذنوا منها قريبا بوقعة ... تشيب لها ولدانكم والمراضع

وإتفق أن كان للعرب عليهم بعد سبعة أيام وقعة لقى فيها سبعة عشر ألفا منهم حتفهم وصرخوا واستغاثوا بالأمير عبد الله فى قرطبة، ومن مشهور قول العبلى فى تلك الوقائع والحروب قصيدة حماسية استهلها بقوله:

قد انقصفت قناتهم وذلّوا ... وزعزع ركن عزّهم الأذلّ

وناقضه الأسدى بقصيدة طويلة يعيّره هو وقومه فيها بما ينزله العرب بجموعهم من تقتيل وسفك لدمائهم، ومن قوله مفاخرا:

لواء النّصر معقود علينا ... بتأييد الإله فما يحلّ

وللأسدى شعر كثير يحرّض فيه العرب على التجمع ضد خصومهم، واستطاع الأمير عبد الله أن يصلح بين الفئتين المتخاصمتين فى كورة إلبيرة حتى إذا خلفه حفيده الناصر قضى على مثيرى هذه العصبية الجنسية فى كل أنحاء الأندلس. وبذلك عادت لأهل الأندلس وحدتهم عربا ومسالمة ومولدين.


(١) انظر فى أشعار هذه المعركة المقتبس لابن حيان الجزء الخاص بالأمير عبد الله.
(٢) بلاقع: مقفرة. السفا: التراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>