وتعاليم الإسلام، ولم يكتف بانتظام جماعات من البربر فى جيشه، فقد رأى إشراكهم فى الحكم، وولى منهم طارق بن زياد على طنجة وإقليمها، وعهد إليه بقيادة جيش لفتح إيبيريا، وكان جيشه مؤلفا من سبعة عشر ألفا من العرب واثنى عشر ألفا من البربر، كما يقول ابن عذارى-ويرسل عمر بن عبد العزيز على رأس المائة بعثة مكوّنة من عشرة فقهاء على رأسها إسماعيل بن عبيد الله بن أبى المهاجر للدعوة للإسلام ونشره بين البربر.
ومنذ هذا التاريخ أصبح الإسلام دين البربر فى كل مكان: فى الحواضر والبوادى وسفوح الجبال والهضاب والصحارى، ونعمت به ليبيا وغير ليبيا من بلاد المغرب، وقوّض الديانتين اليهودية والمسيحية، إذ انتشر بسرعة عجيبة لا فى المناطق الشمالية المحدودة التى كانا يوجدان فيها فحسب، بل أيضا بين سكان الصحارى والجبال، بحيث انضوى المغرب وجميع أرجائه تحت لوائه، وهو ما لم تستطع المسيحية أن تحققه فى عهد الرومان والبيزنطيين، بل إن من تبعها من البربر كانوا فئة أو فئات قليلة، وكأنما كان فى الإسلام سحر جذبهم إليه، وليس السحر إلا ما قدمناه من ملاءمة عقيدته للفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها، وأيضا لأنه يسوّى بين رعاياه القدماء من العرب والجدد من البربر ويرفعهم إلى أعلى المناصب.
غير أنه بمجرد أن توفى الخليفة عمر بن عبد العزيز وتولّى بعده يزيد بن عبد الملك ثم أخوه هشام، إذا هما يوليان على البربر ولاة باغين طاغين ظلموهم ظلما شديدا، كما أسلفنا فى غير هذا الموضع، وكان أشدهم بغيا وطغيانا عبيد الله بن الحبحاب هو وولاته، وبلغ من سوء سياسته أن أخذ يفرق بين العرب والبربر فى الخراج وغير الخراج، فعمّ الاستياء فى كل مكان من سياسته، وأدهى من ذلك أن واليه على طنجة لم يكتف بالعدوان على البربر فى الخراج، فقد أعلن أنه يريد تخميس أراضيهم متناسيا أو متعاميا عما أعلنه حسان بن النعمان فى ولايته من أن أرض البلاد المغربية فتحت صلحا لا قهرا، فهى ملك لأهلها منهم ولا يصح العدوان عليها بحال من الأحوال.
[٤ - الإباضية والشيعة]
كان طبيعيا-كما ذكرنا-أن تثور البلاد المغربية وأذكى ثوراتها وأمدّها بوقود جزل دعاة لمذهبين من مذاهب الخوارج هما مذهب الإباضية ومذهب الصفرية، عرفوهم بهما وبدعوة الخوارج عامة التى تدعو إلى الأخذ بنظرية الإسلام فى المساواة المطلقة فى الحكم وغير الحكم بين المسلمين جميعا عربا وغير عرب، فليس فى الإسلام أشراف هم العرب ومشروفون هم غير العرب،