وتلقانا وراء مدائحه فى الديوان وعند من ترجموا له ألغاز، ومعروف أن الشعراء كانوا قد أخذوا يتلاعبون بها منذ القرن الخامس الهجرى، وكثرت زمن المماليك والعثمانيين. وله غزليات وخمريات بديعة، سنذكر منهما بعض أبيات فى غير هذا الموضع.
[٥ - شعراء الفلسفة والحكمة]
تشيع الحكمة فى الشعر العربى منذ العصر الجاهلى على نحو ما نجد عند زهير، فقد ضمن معلقته طائفة كبيرة من الحكم، وكأنهم أرادوا أن يصوروا لمعاصريهم خبرتهم بالحياة وإدراكهم لتجاربها حتى ينتفعوا بذلك أكبر نفع فى فهم شئون الدنيا وشئون الناس وأحوالهم فى سلوكهم. ومضى الشعراء بعد العصر الجاهلى يحاكون الجاهليين فى تغذية أشعارهم بتلك الحكم، حتى إذا كان العصر العباسى أخذ الشعراء يضيفون إلى تراثهم من الحكم عتادا جديدا من حكمة الفرس والهنود واليونان، وأخذ النابهون منهم يعتمدون على عقولهم الخصبة فى استخلاص الحكم من خبراتهم بأحوال الدنيا والناس، حتى ليبلغ بعضهم من ذلك أن تحصى حكمه بالعشرات، بل أحيانا بالمئات على نحو ما عرف عن أبى تمام الشاعر الدمشقى، فقد أحصى بعض البلاغيين حكمه فوجدها ثلاثمائة وأربعة وخمسين بيتا سوى تسعين شطرا. وعاش المتنبى أكثر سنوات عمره فى الشام وبواديها وقد بلغ الذروة فى تضمين مدائحه حكما رائعة، وأحصاها البلاغيون، فوجدوها أربعمائة، سوى مائة وثلاثة وسبعين شطرا. ولكثرة ما يتناثر فى شعره من حكم أفردها بعض الأسلاف بالتأليف، وحاول بعض النقاد الوصل بينها وبين حكم أرسطو، وهى مبالغة مفرطة فى التصور إذ أكثر حكمه من ثمار خبراته بالحياة خبرة فذة. وظل شعراء الشام يستظهرون-بعد المتنبى وأبى تمام-الحكم فى جوانب من أشعارهم، ولم تلبث الشام أن أهدت إلى الشعر العربى حكيما وفيلسوفا كبيرا، هو أبو العلاء المتوفى سنة ٤٤٩ وسنترجم له عما قليل.
وكان الطّغرائى قد لمع اسمه بنظمه لامية العجم، وقد صاغها جميعا حكما وأمثالا على طريقة مزدوجة أبى العتاهية التى سماها ذات الأمثال، والتى ضمنها أربعة آلاف مثل. ولامية الطغرائى لا تبلغ مبلغها فى حشد آلاف من الأمثال، وليست من بحر الرجز وإنما هى من البسيط على شاكلة نونية البستى المشهورة. وقد أصبح تقليدا عند كثير من شعراء الشام وغيرهم أن يخصوا بعض