للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برفض فروع الفقه كما أمر الفقهاء بأن لا يفتوا إلا بالكتاب والسنة النبوية ولا يقلدوا أحدا من الأئمة المجتهدين القدماء بل تكون أحكامهم بما يؤدى إليه اجتهادهم». ولعل فى ذلك كله ما يثبت ثبوتا قاطعا أن دولة الموحدين كانت تعمل على نشر المذهب الظاهرى وتأمر العلماء برفض ما عداه من المذاهب، وبحق يقول عبد الرحمن الفاسى فى كتابه بيوتات فاس: «إن ملوك الموحدين قد تحلوا بالمذهب المعروف لهم من إنكار الرأى فى الفروع الفقهية والعمل شرعا على محض الظاهرية، وجروا على ذلك سنين بطول إيالتهم (حكمهم) إلى أن انقرضوا، أولهم فى ذلك مهديهم (ابن تومرت) أول ملوكهم». وبمجرد أن انتهت دولة الموحدين عاد المذهب المالكى فى المغرب الأقصى إلى النشاط والازدهار حتى اليوم.

٥ -

الزهاد-المتصوفة

[(أ) الزهاد]

المسلمون من قديم-يستشعرون الزهد فى حطام الدنيا ومتاعها الفانى أملا فى السعادة بالدار الآخرة يوم القيامة، يوم يحاسب كل امرئ على ما قدمت يداه، فإن كان عمله صالحا وازدرى الدنيا وأقبل فيها على الزهد والتقشف كان جزاؤه من ثواب الله موفورا وسعد فى آخرته السعادة الكبرى. وكان ذلك شعار الصحابة فى الفتوح، فهم لا يفتحون البلاد طلبا للمغانم وإنما لإعلاء دين الله، ودائما نسمع بينهم عن كثير من الأتقياء، فالآخرة هى التى تهمهم، ولم يكونوا زاهدين زهدا متطرفا ينسيهم الدنيا والعمل فيها، بل كان غالبا زهدا معتدلا يعتد بالمصالح الدنيوية مع الاتجاه إلى الله، مما جعلهم ينفقون أموالهم فى أعمال البر وعون الفقراء. ونجد هذا الزهد شائعا فى العالم الإسلامى. وقليلا قليلا أخذ أناس يستشعرون الزهد الخالص، ويعيشون له منقطعين لعبادة ربهم، ويمكن أن نجد أمثلة منهم فى جبال المغرب الأقصى الكثيرة حيث يعيشون على ما بها من ماء وثمار. وكان بين فقهاء المدن وأهلها أيضا كثيرون من هؤلاء الصلحاء الزهاد، ونضرب مثلا لهم القاضى ابن محسود (١) الهوارى وكان من قضاة العدل وأئمة الفضل زاهدا فى الدنيا مقبلا على الله تعالى على قدم التجريد، ولما مات لم يترك غير سجادة مصلاه وقعب يتوضأ فيه ومصحفه الذى كان يتلو فيه كتاب الله. ونضرب مثلا ثانيا بالتاجر محمد بن إبراهيم المهدوى الفاسى الزاهد صاحب كتاب الهداية الذى أقام بجامع القرويين أربعين سنة لم تفته فيها صلاة جماعة، وكان يملك أربعين ألف


(١) انظر فيه وفيمن يليه من الزهاد القرطاس لابن أبى زرع ص ١١٧، ١٧٠، ٢٦٥، ٢٦٦، ٢٧٠ - ٢٧٢ وفى هامش القرطاس مع ابن محسود وأبى جبل وابن حرزهم وعثمان السلالجى ويسكر. ومن مراجع تراجمهم التشوف وجذوة الاقتباس وسلوة الأنفاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>