والسنة وإغلاق الأبواب أمام القياس وجميع الآراء التى تبنى عليه. وكتب لهذا المذهب أن يتحمس له عقل أندلسى هو عقل على بن أحمد بن حزم المتوفى سنة ٤٥٦ هـ/١٠٦٣ م وكان قد بدأ حياته الفقهية بدراسة مذهب مالك ثم تركه إلى مذهب الإمام الشافعى ثم آثر على مذهبيهما مذهب داود الظاهرى، ولابن حزم فى الاحتجاج له ضد الأحناف والشافعية كتاب الإبطال للأصول الخمسة التى يأخذون بها، وهى القياس والرأى والاستحسان والتقليد والتعليل، فكل ذلك يجب إبطاله والاكتفاء بالكتاب والسنة.
وقد ازدهر هذا المذهب الظاهرى فى عصر دولة الموحدين، إذ كانت تتخذه مذهبا فقهيا لها من دون المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة لمالك وأبى حنيفة والشافعى وابن حنبل، وحاول الأستاذ عبد الله كنون فى الجزء الأول من كتابه:«النبوغ المغربى فى الأدب العربى» الاستدلال بأن خلفاءهم أو حكامهم كانوا يدعون إلى الاجتهاد كأنه بذلك يريد نفى اعتناقهم لعقيدة الظاهرية، ولا نستطيع أن نبطل شهادات القدماء الكثيرة بأن الموحدين كانوا ظاهرية، من ذلك أن الونشريسى فى كتابه المعيار نعت ابن تومرت بأنه ظاهرى وأن ابن أبى زرع فى روض القرطاس فى سنة خمسين وخمسمائة يقول إن عبد المؤمن أمر بتحريق كتب الفروع ورد الناس إلى قراءة كتب الحديث أى أنه أمر بتحريق كتب المذاهب الفقهية الأربعة والاكتفاء بكتب الحديث ومعها القرآن طبعا وهى نفس نظرية المذهب الظاهرى، وفى المعجب يقول الحافظ أبو بكر بن الجد: «لما دخلت على أمير المؤمنين أبى يعقوب (يوسف) أول دخلة دخلت عليه وجدت بين يديه كتاب ابن يونس (فى الفقه المالكى) فقال لى: يا أبا بكر أنا انظر فى هذه الآراء المتشعبة التى أحدثت فى دين الله، أرأيت يا أبا بكر المسألة فيها أربعة أقوال أو خمسة أقوال أو أكثر من هذا فأى هذه الأقوال هو الحق؟ وأيها يجب أن يأخذ به المقلد؟ فافتتحت أيين له ما أشكل عليه من ذلك، فقال لى-وقطع كلامى: يا أبا بكر: ليس إلا هذا وأشار إلى المصحف أو هذا وأشار إلى كتاب سنن أبى داود وكان عن يمينه، أو السيف». ويذكر صاحب المعجب أن ابنه يعقوب المنصور أمر بحرق كتب المذاهب الأربعة لمالك وأبى حنيفة والشافعى وابن حنبل بعد أن يجرّد ما فيها من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم والقرآن ففعل ذلك، فأحرق منها جملة فى سائر البلاد كمدوّنة سحنون وكتاب ابن يونس ونوادر ابن أبى زيد ومختصره وكتاب التهذيب للبراذعى وواضحة ابن حبيب وما جانس هذه الكتب ونحا نحوها. ولقد شاهدت-أنا يومئذ بمدينة فاس-يؤتى منها الأحمال فتوضع وتطلق فيها النار» ويعلق صاحب المعجب على ذلك بقوله:«كان قصده فى الجملة محو مذهب مالك من المغرب مرة واحدة وحمل الناس على الظاهر من القرآن والحديث» ويقول ابن خلكان: «إنه أمر