هو أبو الحسين محمد بن سفر، من شعراء عصر الموحدين فى المائة السادسة، ويقول ابن الأبار عنه، منسوب إلى جده وأصحابنا يكتبون اسمه بالصاد، كان بإشبيلية. ويقول ابن سعيد فيه: «شاعر المرية (بشرقى الأندلس) فى عصره الذى يغنى ما أنشده من شعره عن الإطناب فى التنبيه على قدره» وأشاد به المقرى فى النفح مرارا بمثل قوله:
«الإحسان له عادة» وقوله: «أحد الشعراء المتأخرين عصرا المتقدمين قدرا». ويقول ابن سعيد: «أعجب ما قيل فى مد نهر إشبيلية وجزره (لتأثره بجزر المحيط الأطلسى ومدّه) قوله:
جئت الجزيرة والخليج يحفّها ... يشكو إليها كى تجيب حواره
شقّ النسيم عليه جيب قميصه ... فانساب من شطّيه يطلب ثاره
فتضاحكت ورق الحمام بدوحه ... هزءا فضمّ من الحياء إزاره
وهو يجعل الخليج شاكيا إلى جزيرة هناك بقرب إشبيلية، فتعرض له النسيم شاقا جيب قميصه أو بعبارة أخرى فتحة مصب النهر، فانساب المحيط من شطيها يطلب ثاره، وهو يكنى بذلك عن المد، فتضاحك الحمام الذى كان رابضا على الدوح هزءا به، فاستحيى الخليج أو المحيط وضم من الحياء إزاره، وهو يكنى بذلك عن الجزر. وهو خيال بديع، وله يصف نزهة لبعض الشباب فى زورق شراعى بنهر، وربما كان أيضا نهر إشبيلية المسمى بنهر الوادى الكبير:
لو أبصرت عيناك زورق فتية ... يبدى لهم بهج السّرور مراحه
وقد استداروا تحت ظلّ شراعه ... كلّ يمدّ بكأس راح راحه
لحسبته خوف العواصف طائرا ... مدّ الحنان على بنيه جناحه
وهو أيضا خيال بارع لابن سفر، إذ يقول إن فتية ترافقوا فى زورق مرحين مسرورين ولم يلبثوا أن تجمعوا فى ظل شراعه يتهادون كئوس الخمر وكل منهم يمد بها لصاحبه، ويشطح به الخيال، فيقول لكأن الزورق وهم متجمعون تحت شراعه خشية الريح الشديدة طائر فى عشه دفعه الحنان إلى أن يمد جناحه على أولاده خوفا عليهم من
(١) انظر فى محمد بن سفر وترجمته وشعره المغرب ٢/ ٢١٢ والرايات ص ١٠٦ والتحفة رقم ٦٦.