ويقال إنه تغيّر عقل أبى على البصير قبل موته بقليل، وكان يثوب إليه عقله، فيأسى على نفسه وما أصابه من خرف الشيخوخة، وفى ذلك يقول:
خبا مصباح عقل أبى علىّ ... وكانت تستضيئ به العقول
إذا الإنسان مات الفهم منه ... فإن الموت بالباقى قليل
ولعل فى كل ما ذكرناه من شعره ما يدل على حذقه حقّا وأنه كان خصب الذهن. وكان لا يزال يعرض على معاصريه ما يزيدهم به إعجابا وبشعره استحسانا.
أحمد (١) بن أبى طاهر
اسم أبى طاهر طيفور، وأحمد ابنه رزق به فى بغداد لسنة ٢٠٤، وأصل الأسرة من مرو، ويقال إنها من سلالة ملوك خراسان. أخذ عن علماء بغداد، حتى إذا استوى عوده جلس للتعليم فى بعض الكتاتيب، ثم ترك التعليم واحترف الوراقة، مما جعله يقرأ كثيرا من مصنفات عصره والعصر السابق له، وسرعان ما تحوّل إلى مؤرخ كبير، كما يشهد بذلك كتابه تاريخ بغداد فى أخبار الخلفاء والأمراء وأيامهم. وهو أحد المصادر الأساسية التى اعتمد عليها الطبرى فى تأليف كتابه تاريخ الرسل والملوك: أهم مرجع تاريخى للخلفاء حتى أوائل القرن الرابع الهجرى. وله بجانب ذلك كتاب المنثور والمنظوم الذى يشتمل على أبرع الرسائل المدوّنة فى العصر. وله كتاب فضائل الورد على النرجس وكأنه صنعه ردّا على ابن الرومى وأمثاله ممن كانوا يفضلون النرجس على الورد. وكان يتشيّع، ولكن ليس لدينا من شعره الشيعىّ سوى القصيدة التى أشرنا إليها فى غير هذا الموضع والتى رثى بها يحيى بن عمر الطالبى المقتول بالكوفة فى زمن المستعين. ويبدو أنه كان إماميّا يأخذ بالتقيّة، ولا يجد بأسا فى مديح الخلفاء العباسيين ورجال دولتهم،
(١) انظر فى أخبار أحمد بن أبى طاهر طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٤١٦ ومروج الذهب ٤/ ٦٤ والفهرست ص ٢١٥ حيث ذكر له ثمانية وأربعين كتابا وتاريخ بغداد ٤/ ٢١١ ومعجم الأدباء ٣/ ٨٧ وكتاب الزهرة لابن داود (انظر الفهرس) وديوان المعانى ١/ ٤٨، ٩٤ والموشح للمرزبانى ص ٣٥١.