وفتحوا له جميعا أبوابهم. وربما كان من أهم الأسباب فى فتحها كتابه السالف «تاريخ بغداد» الذى أرّخ فيه للدولة وخلفائها. وفتح له كتاب المنثور والمنظوم أبواب الأدباء لا فى بغداد وحدها، بل أيضا فى سامرّاء طوال اتخاذها حاضرة للخلافة.
وبجانب تصنيفاته كان شاعرا بارعا، ولكن قبل أن نعرض لشعره يحسن أن نقف عند ما قاله بعض معاصريه من أنه «كان مؤدّب كتّاب عاميّا ثم تخصص وجلس فى سوق الوراقين فى الجانب الشرقى ببغداد، وليس فيمن شهر بمثل ما شهر به من التصنيف للكتب وقول الشعر أكثر تصحيفا منه ولا أبلد علما ولا ألحن، قال:
ولقد أنشدنى شعرا يعرضه علىّ فى إسحق بن أيوب لحن فى بضعة عشر موضعا منه وكذا قال لى البحترى فيه». وشهادة البحترى فيه مردودة، لأنهما كانا يتهاجيان ولا يرضى كل منهما عن صاحبه، ونفس أبى طاهر-كما فى كتاب الموشح للمرزبانى-يصف البحترى باللحن فى شعره. وبالمثل شهادة هذا المعاصر له مردودة لأنه كان يخاصمه على ما يبدو. وليس فى شعره الذى بين أيدينا ما يصوّر هذا اللحن، ونرى معاصريه ومن جاءوا بعدهم يشهدون له بالفصاحة والبلاغة، فالخطيب البغدادى-ومثله ياقوت-يقولان:«كان أحد البلغاء الشعراء الرواة». وشعره يشهد ببلاغته، وأخباره تدل على إعجاب معاصريه به وبشعره. وكان يغدو به ويروح على الوزراء، فيسبغون عليه جوائزهم من مثل قوله فى أبى الصقر إسماعيل بن بلبل وزير المعتمد يهنئه بأحد أعياد النيروز أوائل الربيع:
أبا الصّقر لا زالت من الله نعمة ... تجدّدها الأيام عندك والدّهر
ولا زالت الأعياد تمضى وتنقضى ... وتبقى لنا أيامك الغرر الزّهر
فإنك للدنيا جمال وزينة ... وإنك للأحرار ذخر هو الذّخر
رأيت الهدايا كلها دون قدركم ... وليس بشئ عند مقداركم قدر
فأهديت من حلى المديح جواهرا ... مفصّلة يزهى بها النظم والنّثر
وكانوا يتقدمون للوزراء وعلية القوم فى أعياد النيروز بالهدايا كل حسب قدرته من الجواهر أو من الرياحين، ورأى ابن أبى طاهر أن خير ما يهديه لإسماعيل بن بلبل عقود أشعاره المرصوفة بالجواهر واللآلئ. والأبيات قوية جزلة مصقولة، وتدل