على أن يد شاعر صناع هى التى كتبتها وصاغتها هذه الصياغة المتينة. وأروع من هذه القصيدة قصيدته فى أبى أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر نائب أخيه محمد فى حكم بغداد، ثم حاكمها بعد وفاته سنة ٢٥٢، وهى تلتقى بقصيدة تروى لابن الرومى سبق أن أنشدنا منها فى ص ٣١٠ بعض أبيات ولعل القصيدتين اختلطتا فى أذهان الرواة؛ ومن قصيدة ابن أبى طاهر فى مديح أبى أحمد كما جاءت عند بعض الرواة:
من لم يكن حذرا من حدّ صولته ... لم يدر ما المزعجان: الخوف والحذر
حلو إذا أنت لم تبعث مرارته ... فإن أمرّ فحلو عنده الصّبر
سهل الخلائق إلا أنه خشن ... لين المهزّة إلا أنه حجر
إذا الرجال دجت آراوهم وعموا ... بالأمر ردّ إليه الرّأى والنظر
الجود منه عيان لا ارتياب به ... إذ جود كلّ جواد عنده خبر
وبلغ من إعجاب القدماء بهذا المديح أن قال بعض أدبائهم: لو استعمل الإنصاف لكان هذا أحسن مدح قاله متقدم ومتأخر. وهى أبيات-إن صحّ أنها لابن أبى طاهر-تدل على بصر بالشعر وروعة فنونه البديعية، وله رسالة فى سرقات البحترى تدل من بعض الوجوه على ثقافته الشعرية، بل لقد اتسعت دراسته للشعر العربى على نحو ما يصور ذلك كتابه المنظوم والمنثور. وقد مضى يحكم فى القصيدة التقسيم كما فى الأبيات الأربعة الأولى، كما أحكم الطباق والتقابل بين المعانى والألفاظ على نحو ما يتضح فى الأبيات الأربعة الثانية. وكان يحكم -بجانب المديح-الهجاء اللاذع الذى يلسع كما تلسع الإبر دون فحش من مثل قوله فى أبى العيناء الضرير نديم المتوكل والخلفاء ومضحكهم بإجاباته ونوادره:
كنّا نخاف من الزما ... ن عليك إذ عمى البصر
لم ندر أنك بالعمى ... تغنى ويفتقر البشر
وكان يتعرض أحيانا للمبرّد، فيخشى معرّة لسانه، ويقال إنه استقبله فى