إذا كان القصص الذى أضيف إلى الجاهليين لا يحمل لنا صورة دقيقة للنثر الجاهلى بحكم تأخره فى التدوين فإن الأمثال تحمل لنا غير قليل من هذه الصورة، إذ إن من شأنها أن لا تغيّر، وأن تظل طويلا بصورتها الأصلية، بحكم إيجازها وكثرة دورانها على الألسنة. وقد سارع العرب إلى تدوينها منذ أواسط القرن الأول للهجرة، إذ ألف فيها صحار العبدى أحد النسابين فى أيام معاوية بن أبى سفيان (٤١ - ٦٠ هـ) كتابا كما ألف فيها عبيد بن شريّة معاصره كتابا آخر، ويقول صاحب الفهرست إنه رآه فى نحو خمسين ورقة (١). وإذا انتقلنا إلى القرن الثانى وجدنا التأليف فى الأمثال يكثر، إذ أخذ علماء الكوفة والبصرة جميعا يهتمون بها ويؤلفون فيها، وقد وصلنا عن هذا القرن كتاب أمثال العرب للمفضل الضبى.
ونمضى إلى القرن الثالث، فيؤلف أبو عبيد القاسم بن سلام فيها كتابا يشرحه من بعده أبو عبيد البكرى باسم «فصل المقال فى شرح كتاب الأمثال لأبى عبيد القاسم بن سلام». وما تزال المؤلفات فى الأمثال تتوالى، حتى يؤلف أبو هلال العسكرى كتابه «جمهرة الأمثال». ويخلفه الميدانى، فيؤلف كتابه «مجمع الأمثال» وهو يقول فى مقدمته إنه رجع فيه إلى ما يربو على خمسين كتابا.
ومن يرجع إلى هذه الكتب يجدهم يسوقون الكلمة السائرة التى تسمى مثلا، ولا يكتفون بذلك، بل يقفون غالبا لسرد القصة أو الأسطورة التى تمخض عنها المثل، وقد تتمخض عن أمثال أخرى تروى فى تضاعيفها. وموقفنا من هذه الأقاصيص والأساطير لا يختلف عن موقفنا من القصص الجاهلى بعامة، فنحن لا نتخذ منها صورة للنثر الجاهلى وإن اختلجت بروحه وطبيعته وحيويته، لنفس السبب الذى ذكرناه، وهو تأخر تدوينها. أما الأمثال نفسها فمن المحقق أن طائفة كبيرة مما روته الكتب السالفة يتحتم أن يكون جاهليا، وخاصة أكثر ما رواه عبيد ابن شريّة، ولو أن كتابه لم يسقط من يد الزمن ووصلنا لاطمأننا إلى ما يرويه