للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدينار الذى كانت تعطيه. ولما رأى ذلك تخوّف شرها وندم، فقال لها: هل لك فى أن نتواثق (نتعاهد) ونعود إلى ما كنا عليه، فقالت: كيف أعاهدك؟ وهذا أثر فأسك وأنت فاجر، لا تبالى العهد. فكان حديث الحية والفأس مثلا مشهورا من أمثال العرب، قال نابغة بنى ذبيان (من قصيدة يعاتب بها بنى مرة):

وإنى لألقى من ذوى الضّغن منهم ... بلا عثرة، والنفس لا بدّ عاثره

كما لقيت ذات الصّفا من حليفها ... وما انفكّت الأمثال فى الناس سائره

وينشد الضبى بقية القطعة التى يتحدث فيها النابغة عن قصة الحية مع هذا الراعى الذى اختان عهده. ونحن نشك فى الأبيات كما نشك فى أن القصة حافظت على الأصل الجاهلى، وإن كنا فى الوقت نفسه نظن ظنّا أنها تعطينا جانبا من روح القصص الجاهلى، وأنه كان يلتقى فى بعض جوانبه بقصص الحيوان المعروف عند الهنود، والذى تسرب منهم إلى الأمم الأخرى على نحو ما نعرف فى قصص إيسوب اليونانى، وبين قصصه الزارع والحية (١)، وكأنما تسرب هذا النوع من الهند إلى العرب واليونان جميعا.

ومما لا شك فيه أن عرب الجاهلية قصوا كثيرا عن الجن والعفاريت والشياطين، وقد زعموا أنها تتحول فى أى صورة شاءت إلا الغول فإنها دائما تبدو فى صورة امرأة عدا رجليها، فلابد أن تكونا رجلى حمار. وكثيرا ما تتراءى الجن فى صورة الثيران والكلاب والنعام والنسور. وكانوا يزعمون أن أهم منازلها أرض وبار وصحراء الدهناء ويبسرين. ومن غير شك دخل كثير من قصصهم عنها فى كتب الأساطير والعجائب التى ألفت فى العصر العباسى.

ونحن لم نسق ذلك لنؤكد أنه بقيت لنا من القصص الجاهلى بقية صالحة للدراسة، فإن شيئا من هذا القصص الذى يضاف إلى الجاهليين لم يصلنا مدونا مكتوبا، ولذلك كنا نتهمه جملة، وإن كنا بعد هذا الاتهام نعود فنزعم أنه يصور لنا مادة قصصهم وروحه وطبيعته وكثيرا من ملامحه، ولكن لا بصورة دقيقة، وإنما بصورة عامة.


(١) انظر الأمثال فى النثر العربى القديم ص ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>