للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم نسق هذه القصة مؤمنين بأنها نفس قصة المرقش التى دارت فى الجاهلية بلغتها وبجميع تفاصيلها، ولكنا سقناها لندل بطوابعها على صورة أمثالها فى الجاهلية، وما كان يتيح القصّاص لمثلها من عناصر التشويق، تارة بما يضيف إلى القصة من خياله، وتارة بما يضيف إليها من أشعار، وقد يضيف إليها أمثالا، على نحو ما نعرف فى قصة الزبّاء، وهى تتضمن عند الضبى اثنى عشر مثلا (١).

وإذا صح ما ذهب إليه بروكلمان من أن تعرف أحد العاشقين على الآخر عن طريق الخاتم شائع فى كثير من الحكايات عند أمم غير العرب (٢) كان معنى ذلك أن قصص الجاهليين حتى فى الحب تسربت إليه عناصر من حكايات العشق المماثلة عند الأمم الأجنبية. ويدخل فى هذا الجانب بعض خرافاتهم عن الحيوانات التى يلتقون فيها بخرافات الأجانب (٣)، كخرافة الحية والفأس، وقد رواها الضبى على هذه الشاكلة (٤):

«زعموا أن أخوين كانا فيما مضى فى إبل لهما، فأجدبت بلادهما، وكان قريبا منهما واد فيه حية، قد حمته من كل أحد، فقال أحدهما للآخر: يا فلان لو أنى أتيت هذا الوادى المكلئ، فرعيت فيه إبلى وأصلحتها، فقال له أخوه:

إنى أخاف عليك الحية، ألا ترى أن أحدا لم يهبط ذاك الوادى إلا أهلكته، قال:

فو الله لأهبطنّ. فهبط ذلك الوادى، فرعا إبله به زمانا، ثم إن الحية لدغته، فقتلته. فقال أخوه: ما فى الحياة بعد أخى خير، ولأطلبن الحية فأقتلها أو لأتبعنّ أخى. فهبط ذلك الوادى، فطلب الحية ليقتلها، فقالت: ألست ترى أنى قتلت أخاك، فهل لك فى الصلح، فأدعك بهذا الوادى، فتكون به، وأعطيك ما بقيت دينارا فى كل يوم. قال: أفاعلة أنت؟ قالت: نعم، قال: فإنى أفعل. فحلف لها وأعطاها المواثيق، لا يضيرها. وجعلت تعطيه كل يوم دينارا، فكثر ماله ونمت إبله، حتى كان من أحسن الناس حالا. ثم إنه ذكر أخاه، فقال: كيف ينفعنى العيش، وأنا أنظر إلى قاتل أخى فلان؟ . فعمد إلى فأس، فأحدّها، ثم قعد لها، فمرت به، فتبعها، فضربها فأخطأها، ودخلت الجحر، فرمى الفأس بالجبل فوقع فوق جحرها، فأثر فيه. فلما رأت ما فعل قطعت عنه


(١) أمثال العرب للمفضل الضبى (الطبعة الأولى بالقاهرة) ص ٨١ وما بعدها.
(٢) انظر تاريخ الأدب العربى لبروكلمان ١/ ١٠٢.
(٣) وانظر كتاب الأمثال فى النثر العربى القديم لعبد المجيد عابدين ص ٤٢.
(٤) أمثال العرب للضبى ص ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>