فأتاه رجل من مراد، فأرغبه فى المال، فزوجه ابنته على مائة من الإبل، ورحل بها إلى أهله. وقال إخوة المرقّش لا تخبروه بخبرها حين يرجع، بل قولوا له إنها ماتت، وذبحوا لذلك كبشا، أكلوا لحمه ودفنوا عظامه. فلما قدم المرقش قالوا له إنها ماتت. ولم يلبث أن عرف الحقيقة بعد أن ظل مدة يعود قبر الكبش ويزوره.
وخرج المرقش يطلب أسماء، وبعد مغامرات يتعرف على راعى زوجها، ويتوسل إليه أن يحدثها عنه، فيقول له: إنى لا أستطيع أن أدنو منها، ولكن تأتينى جاريتها كل ليلة، فأحلب لها عنزا، فتأتيها بلبنها. فقال له مرقش: خذ خاتمى هذا، فإذا حلبت فألقه فى اللبن، فإنها ستعرفه، وإنك مضيب بذلك خيرا لم يصبه راع قط إن أنت فعلت ذلك. فأخذ الراعى الخاتم. ولما راحت الجارية بالقدح وحلب لها العنز طرح الخاتم فيه، فانطلقت الجارية به وتركته بين يدى أسماء.
فلما سكنت الرّغوة أخذته فشربته، وكذلك كانت تصنع. فقرع الخاتم ثنيّتها، فأخذته واستضاءت بالنار، فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا الخاتم؟ قالت:
مالى به علم. فأرسلتها إلى مولاها وهو بنجران، فأقبل فزعا، فقال لها: لم دعوتنى؟ قالت له: ادع عبدك راعى غنمك، فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم، قال: وجدته مع رجل فى كهف خبّان، فقال لى: اطرحه فى اللبن الذى تشربه أسماء، فإنك مصيب به خيرا، وما أخبرنى من هو، ولقد تركته بآخر رمق. فقال لها زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: خاتم مرقّش، فأعجل الساعة فى طلبه. فركب فرسه وحملها على فرس آخر وسارا حتى طرقاه من ليلتهما، فاحتملاه إلى أهلهما، فمات عند أسماء وقال قبل أن يموت:
سرى ليلا خيال من سليمى ... فأرّقنى وأصحابى هجود
فبتّ أدير أمرى كلّ حال ... وأذكر أهلها وهم بعيد
سكنّ ببلدة وسكنت أخرى ... وقطّعت المواثق والعهود
فما بالى أفى ويخان عهدى ... وما بالى أصاد ولا أصيد