للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا يقصون كثيرا عن ملوكهم من المناذرة والغساسنة ومن سبقوهم أو عاصروهم مثل ملوك الدولة الحميرية ومثل الزبّاء، مما نجده مبثوثا فى تاريخ الطبرى وفى السيرة النبوية لابن هشام، وسقط من ذلك كثير إلى أبى الفرج فى أغانيه. ومن المحقق أن كثيرا من هذا القصص يخالف التاريخ الحقيقى لهؤلاء الملوك، على نحو ما هو معروف عن قصة الزباء، فإنها لا تتفق فى شئ ووثائق التاريخ الرومانى الصحيحة (١) حتى اسمها وهو زنوبيا Zcnobia حرّف إلى الزباء، وربما جاء هذا التحريف من أن أباها كان يدعى زباى، فنسبوها إليه وقالوا بنت زباى، ومع مر الزمن حذفوا كلمة بنت، وأبدلوا الياء المتطرفة بعد الألف حسب قواعدهم الصرفية همزة، وأدخلوا على الاسم أداة التعريف فأصبح الزباء.

وعلى نحو ما كانوا بقصّون عن ملوكهم وأبطالهم كانوا يقصّون عن ملوك الأمم من حولهم وشجعانهم، يدل على ذلك ما جاء فى السيرة النبوية من أن النّضر بن الحارث كان من شياطين قريش وممن كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة، وكان قد قدم الحيرة وتعلم أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وإسفنديار، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا، فذكّر فيه بالله، وحذّر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله خلفه فى مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه. فهلم إلى، فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وإسفنديار (٢)».

ومما لا ريب فيه أنهم كانوا يقصون كثيرا عن كهّانهم وشعرائهم وسادتهم، وهو قصص استمدت منه كتب التاريخ وللشعر والأدب معينا لا ينضب من الأخبار، وارجع إلى تراجم صاحب الأغانى فستراها تحفل بمادة غنية من القصص، وقد بثوا فيها غير قليل من قصص الهوى. كقصة المرقّش الأكبر وصاحبته أسماء بنت عوف، وما كان من عشقه لها وهو غلام ومحاولته خطبتها من أبيها. واعتذار الأب له بحداثة سنه وأنه لم يعرف بعد بشجاعة. وما كان من انطلاق المرقّش إلى بعض الملوك ومديحه له وبقائه عنده زمنا، وفى هذه الأثناء أصاب عوفا زمان شديد،


(١) تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ٣/ ٩٩ وما بعدها.
(٢) السيرة النبوية (طبعة الحلبى) ١/ ٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>