للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقصر الفتوى والقضاء على فقهاء المذهب الحنفى، وكان كبير المفتين أو أصحاب الفتوى عندهم يلقب بلقب شيخ الإسلام وما إن استقر الحكم العثمانى حتى أشرك الولاة العثمانيون مع القاضى المالكى قاضيا حنفيا، وكان يأتى فى أول العهد من إستانبول. وكان حكم القاضى المالكى لا يصبح نافذا إلا إذا وقّع عليه القاضى الحنفى، وتبعت هذا القضاء الحنفى مدارس تعنى بالفقه الحنفى، وأخذت تنشأ فئة كبيرة من فقهائه ومدرسيه، وبعد أن كان القاضى الحنفى يأتى فى صدر العهد العثمانى من إستانبول أخذ أولو الأمر يعينون القضاة من أسر حنفية توارثت المذهب فى الجزائر.

(ج‍) الإباضية (١) والصفرية

الإباضية-قديما-من فرق الخوارج الذين أنكروا التحكيم الذى ارتضاه على بن أبى طالب فى الحرب الدائرة بينه وبين معاوية فى صفّين، وقالوا إن الخلافة-أو إمامة المسلمين -لا يصح أن تقصر على قريش، إذ ليست حقا لها، بل هى حق لله، وينبغى أن يتولاها خير المسلمين تقوى وإقامة للعدل ولو لم يكن قرشيا بل لو كان عبدا جبشيا، وحاربهم على بن أبى طالب وهزمهم، وظلوا بعده يقاومون الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية، وانقسموا فرقا كان من أكثرهم غلوا فرقتا الصفرية والأزارقة الذين عدّوا دار المسلمين دار حرب ينبغى حربهم وجهادهم ما داموا يستسلمون لحكام الأمويين والعباسيين القرشيين الجائرين، وتبع فرقة الصفرية كثيرون فى سجلماسة والمغرب الأقصى وحملوا السلاح ضد حكامهم من العرب وخاضوا معهم حربا طاحنة، وكانت جيوشهم تمر أحيانا بالجزائر قاصدة القيروان مقر الحاكم الأموى والعباسى ومن بعدهما الحاكم العبيدى لحربه، وكان يتبعهم بعض العامة من الجزائر، ولكن جماهير الجزائر ظلت بعيدة عن اعتناق هذه العقيدة الخارجية الغالية.

وإذا كانت الجزائر لم تعتنق العقيدة الصفرية فإن جماعات فيها اعتنقت العقيدة الإباضية، وتأسست لها دولة فى مدينة تاهرت، حتى إذا قضى عليها أبو عبيد الله الشيعى داعية المهدى العبيدى انسحب منها الإباضيون إلى باغاية وورقلة، ثم تجمعوا فى غرداية وقرى ميزاب، ولا يزالون إلى اليوم فى كل هذه الأنحاء. وفرقة الإباضية لم تكن تغلو-من قديم-غلو فرقة الصفرية، فهى لا تعدّ دار المسلمين دار حرب ولا تحمل السلاح لقتالهم وسفك دمائهم مثل الصفرية، إلا أن يضطروها إلى ذلك، وهى لا تعد-مثل الصفرية والأزارقة-مرتكب الكبيرة كافر ملة يجب قتله، إنما هو كافر نعمة فلا ينبغى قتله، وهم يتوارثون مع إخوانهم السنيين


(١) انظر فى الإباضية والصفرية كتاب الملل والنحل للشهرستانى وراجع فى الإباضية السير للشماخى والأزهار الرياضية لسليمان البارونى وكتاب الجزائر لأحمد توفيق المدنى والجزء الثانى من تاريخ المغرب الكبير لدبوز.

<<  <  ج: ص:  >  >>