من كلّ أبلج آمر بلسانه ... يضع السيوف مواضع التيجان
وأعجب المعز بالقصيدة، وشعر ابن رشيق باستحسانه لها، فحاول أن يتقرب منه بقصيدة لامية أكثر من القصيدة الأولى إبداعا وافتنانا، فقيّد فى ديوانه وأخذ الصلة منه، وحمل على مركب تمييزا له بين أقرانه، وفى مديحها يقول:
لدن الرماح لما تسقى أسنّتها ... من مهجة القيل أو من مهجة البطل
لو أورقت من دم الأبطال سمرقنا ... لأورقت عنده سمر القنا الذّبل
إذا توجّه فى أولى كتائبه ... لم تفرق العين بين السّهل والجبل
فالجيش ينفض حوليه أسنّته ... نفض العقاب جناحيها من البلل
فرماح المعز لدنة لما يسقيها من مهج الملوك والأبطال، ولو أن الرماح تورق من دم الأبطال لأورقت رماحه الدقيقة، وما أعظم كتائبه إنه حين يتوجه فى أولاها لا تستطيع التفرقة بين السهل والجبل وما يلبث ابن رشيق أن ينفذ إلى صورة بديعة، فالجيش ينفض من حول المعز أسنته نفض العقاب جناحيه من البلل ويقول ابن خلكان: هذا البيت من فرائده، وكان كثيرا ما ينفذ إلى مثل هذه الفرائد، فقد غاب المعز عن حضرته وكان العيد ماطرا، فأنشد:
تجهّم العيد وانهلّت بوادره ... وكنت أعهد منه البشر والضحكا
كأنه جاء يطوى الأرض من بعد ... شوقا إليك فلما لم يجدك بكى
وكان يعرف كيف ينفذ إلى هذه الصور البديعة، وبدعها إنما يرجع إلى ما تحمل من عنصر المفاجأة، ومن ذلك قوله فى تميم بن المعز:
أصحّ وأعلى ما سمعناه فى النّدى ... من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا ... عن البحر عن كفّ الأمير تميم
وقد ظل مع المعز يؤلّف كتبه الرائعة: العمدة وغيره، حتى إذا كانت الهجرة الهلالية وتراجع أمر المعز بكى القيروان طويلا، ورحل إلى جزيرة صقلية واستقرّ بمدينة مازر إلى أن وافاه أجله سنة ٤٥٦ هـ/١٠٦٤ م، وله فى بكاء القيروان وما صارت إليه أشعار كثيرة بديعة.
التراب (١) السوسى
هو من شعراء عصر الطوائف ومن أهل سوسة. الثغر المعروف على المتوسط إلى الجنوب
(١) انظر فى التراب السوسى الخريدة ١/ ١٣٠ والحلل السندسية ٢/ ٣١٠.