للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(ب) ابن أبى الدنيا]

هو أبو محمد عبد الحميد بن أبى البركات بن عمران بن أبى الدنيا الصدفى الطرابلسى المولود بطرابلس سنة ٦٠٦ وفيها نشأ ونهل من حلقات علمائها وأدبائها، وارتحل إلى المشرق لقضاء فريضة الحج، واستمع إلى كثير من العلماء، وعاد إلى تونس فى عهد مؤسس الدولة الحفصية أبى زكريا (٦٢٥ - ٦٤٧ هـ‍). ونال حظوة عنده، ورجع إلى بلدته: طرابلس فترة، واستدعى إلى تونس، فولى بها الخطط الرفيعة إذ ولى قضاء الجماعة، كما ولى الخطابة بالجامع الأعظم وغير ذلك من المناصب حتى وفاته سنة ٦٨٤ للهجرة. وله تصانيف ومؤلفات قيمة، منها:

العقيدة الدينية وشرحها وجلاء الالتباس فى الرد على نفاة القياس وكتاب مذكّر الفؤاد فى الحض على الجهاد. ومرّ فى حديثنا عنه بين الفقهاء أنه كان يدرس لطلابه فى بعض دروسه بطرابلس كتاب الإرشاد والبرهان للجوينى إمام الحرمين وكتاب المستصفى للغزالى. وبجانب هذه الثقافة الدينية المتعمقة كان شاعرا، وفيه يقول التجانى فى رحلته: «من فضلاء طرابلس المشهورين بالعلم والمشاركة فى الأدب». وقد أنشد له بعض أشعاره، وذكر أن له قصيدة طويلة افتتحها بقوله:

بحمد الله نبتدئ الأمورا ... ونختم آخرا فيه الحبورا

ولم يذكر التجانى سوى المطلع، ويبدو أنها كانت موعظة طويلة، وقد سقطت من يد الزمن وربما سقطت له معها أشعار أخرى له فى المواعظ والدعوة إلى الزهد، ومما أنشده له التجانى قوله:

طرق السلامة والفلاح قناعة ... ولزوم بيت بالتوحّش مؤنس

يكفيه أنسا أن يكون أنيسه ... آى القرآن ونوره فى الحندس (١)

وإذا رأت عيناه إنسانا أتى ... فلينفرنّ نفور ظبى المكنس (٢)

ولقلّما ينفكّ صاحب مقول ... من زلّة أو عثرة فى المجلس

ويبدو أن الأبيات مقتطعة من قصيدة طويلة فى النصح بالقناعة فهى الطريق الذى لا يخطئ إلى السلامة والفلاح، والعاقل من اعتزل الناس ولزم بيته منقطعا إلى الائتناس بمجالس الذكر الحكيم ومناراته الساطعة فى الليالى الشديدة الظلام. ويدعو إلى النفور من الاجتماع بأى إنسان


(١) الحندس: الليل الشديد الظلام.
(٢) المكنس: الكناس وهو مأوى الظبى فى الشجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>