للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعها تسيل أسال الله مقلة من ... يسطو عليها بسطو العتب والعذل (١)

أبعد ما غاب بدر الدين فى جدث ... يهنا الحياة بنو الآداب بالأمل (٢)

كيف البقاء لطرف زال ناظره ... حين اعترته بنات الدهر بالسّمل (٣)

زر ساحة السّفح واسفح عندها حزنا ... دمعا يزيد على التسكاب والهطل

أعنى الولىّ أبا يحيى الذى حييت ... صوى العلوم بمحياه ولم يؤل (٤)

وهو يبكى خاله، ويقول إنه أحرى وأجدر للأجفان والمقل أن تبكى دما على الإسلام وفقيده، ويعجب أن لا تذرف الدمع مدرارا، ويدعو على من يعاتب الناس على بكائهم عليه ويعذلهم لائما، حتى ليتمنى لهم حزنا موجعا كحزنه، ويقول إن بنى الآداب بعد أن غيّب عنهم لن يهنئوا بأمل ولا بأمنية، وإنه لم يعد يرى من حوله، إذ أصابته بنات الدهر ونكباته فى ناظره وكأنما فقأت عينه بحديدة محماة. ويطلب إلى رفاقه أن يزوروا معه القبر ويسكبوا دموعهم هناك، فقد توفى أبو يحيى زكريا الذى طالما اتّقدت منارات العلوم وصواها فى حياته، وقد مات ولم يعد.

ويمضى الشاعر فى مرثية خاله منشدا:

يا غربة الدين بعد الشيخ مفتقدا ... يا وحشة السّير الغرّاء عن الأول

لا عن تراض جرى حكم المنون به ... قدما جرى فى نبىّ الله والرّسل

قسرا على الأسد فى الأغيال واغلة ... وفى الذّرى لوعول صعبة السّبل (٥)

كمثله فلتلد أنثى مفاخرة ... أو لا فلا ولدت عن آخر الطّول (٦)

يا أيها الشامت المبدى شماتته ... مهلا بفيك تراب السهل والجبل

وهو يبالغ إذ يجعل الدين بعد وفاة خاله يعود غريبا، ويبدو من الشطر الثانى أن خاله كان يعنى بالسير التاريخية، ويعود إلى المبالغة فى البيت إذ يقرن وفاة خاله بوفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ووفاة الأنبياء! ويقول إن حيّا لا يستعصى على الموت، لا الأسد فى أغيالها ولا الوعول فى ذرى الجبال وقممها العالية، وينوّه به ويفاخر، إذ يقول مثله فلتلد الأمهات وإلا فلا تلد إلى آخر الدهر، ويدعو على الشامتين بموته. ولعل فيما أنشدناه من شعر فتح بن نوح ما يصور ملكته الشعرية الخصبة.


(١) يسطو: يبطش ويقهر. العذل: اللوم
(٢) جدث: قبر
(٣) بنات الدهر: نكباته. سمل العين: فقؤها بمسمار محمى.
(٤) صوى: أعلام ومنارات. يؤل: يرجع
(٥) أغيال جمع غيل: بيت الأسد. الوعول جمع وعل: تيس الجبل
(٦) عن آخر الطول: يريد إلى آخر الدهر

<<  <  ج: ص:  >  >>