للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلهيك تخلابا عن الأرباح ... عما قليل أضت صفر الراح (١)

من صالح الأعمال جمّ الحاب (٢) ...

خاء خبت نار امرئ شمّاخ ... يفخر بالأنجار والأسناخ (٣)

ما الفخر إلا للفتى النوّاخ ... حيث التقى مخيّم الأشياخ (٤)

أولى النّهى والعزم والألباب

وهو يحذر صاحبه من سحر ثغر المرأة الجميلة، إذ يخلب لبه ويلهيه عن أرباح الأعمال الصالحة، فيعود صفر الكف من الصالحات مملوءة بالآثام والذنوب، ويقول: خمدت نار شخص شامخ بأنفه كبرا واستعلاء، يفخر بالأصول والأنساب، وليس ذلك بفخر، إنما الفخر للفتى المقيم حيث منزل الأشياخ من التقى والصلاح أولى العزم والعقول الراجحة. وفى مخمّس ثان له ينشد:

وأوّل ما أوصى به فى مخمّسى ... لباس سرابيل التّقى خير ملبس

به ساد أقوام من الجنّ والإنس ... وليسوا ذوى مال ولا بذوى فلس

ولا نيل ما نالوا ببيض ولا سمر ... بذلك أوصى الله من كان واعيا

من اهل القرون السالفات الخواليا

ونادى به أهل العصور البواقيا ... وقال: اتّقون اليوم حقّ تقاتيا

يطاع فلا يعصى وشكر بلا كفر

وهو يقول: أول ما يوصى به فى مخمسه أن يلبس الإنسان سرابيل التقوى ولا يخلعها عن جسمه ونفسه أبدا فهى خير ملبس، وطالما ساد بها أقوام من الجنّ والإنس وأصبحوا من أكبر الأثرياء وليسوا بأصحاب أموال كثيرة ولا قليلة، ولا نالوا ما نالوا من غنائم حرب بالرماح والسيوف، ومع ذلك هم أغنى الأغنياء. ويقول إن تلك وصية الله أوصى بها ذوى الألباب من أهل القرون السالفة، وبالمثل من أهل العصور الباقية، إذ قال-عزّ من قائل-اتّقون اليوم حق تقاتى، وطاعته واجبة وشكره فرض بلا كفر. وقرأ مخمسته مؤسس الدولة الحفصية أبو يحيى زكريا، فعشّرها بمخمس ثان. وله مرثية بديعة فى خاله مربّيه وراعيه أبى يحيى زكريا بن إبراهيم، وفيها يقول:

أحرى وأجدر للأجفان والمقل ... تقنى بكاء على الإسلام لم تبل (٥)


(١) أضت: صرت.
(٢) الحاب يريد الآثام، جمع حوبة (أى إثم).
(٣) الأنجار والأسناخ: الأصول والأعراق.
(٤) النواخ: المقيم.
(٥) تقنى: تحمر-تبل: تذرف الدمع مدرارا.

<<  <  ج: ص:  >  >>