أيضا عياض بن عوانة الكلبى النحوى الكوفى سنة ١٥٥ فرحّب به، وخصّه بتعليم أولاد أسرته وعنه أخذ أبناء القيروان النحو والعربية. وأخذ ينشأ فى القيروان سريعا جيل يعنى برواية الأشعار والأخبار كما يعنى باللغة والنحو على شاكلة أمان بن الصمصامة بن الطرماح الطائى الشاعر المشهور فى العصر الأموى، وكان الصمصامة هاجر إلى القيروان فى أوائل القرن الثانى، وولد له فيها أمان، وكان راوية للغة والشعر كما يقول ابن حزم، وتتلمذ له كثيرون من شباب القيروان فى النحو واللغة والأدب. وما نصل إلى أواخر القرن الثانى الهجرى حتى يصبح للقيروان نحاة بالمعنى الدقيق لكلمة نحاة من مثل عبد الملك المهرى تلميذ أمان وعياض بن عوانة وغيرهما من النحاة والرواة، ويتكاثر النحاة فى جيله وجيل تلاميذه.
(ج) دور العلم: الكتاتيب-المساجد-جامعا عقبة والزيتونة-بيت الحكمة-
الزوايا-المدارس
منذ استقر العرب فى القيروان والبلدان بإفريقية التونسية أخذت تنشأ كتاتيب لتحفيظ الناشئة القرآن وتعليمهم مبادئ العربية-حتى يحسنوا أداء الآيات القرآنية-والأحاديث النبوية. ويبدو أنها أخذت تتكاثر منذ عهد حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ) وكان يتعلم فيها أبناء البربر والعرب جميعا، وظلت أساس التعلم فى البلاد، مثلها فى ذلك مثل جميع البلدان العربية، وتنبه الفقيه محمد بن سحنون المتوفى سنة ٢٥٦ للهجرة إلى أهمية التعليم فى الكتاتيب وما ينبغى أن يؤخذ به فى هذا التعليم من آداب ومن صفات فى المعلمين وطرائق معاملتهم للناشئة، مما جعله يكتب فيه كتابا بعنوان «آداب المعلمين» وفيه يرسم لهم قواعد التربية للناشئة من أبناء المسلمين، وما ينبغى أن يتصفوا به فى السلوك معهم وواجبات المعلم إزاءهم وأخذه لهم بالنهج السليم، وعنى بنفس الموضوع بعده أبو الحسن القابسى المتوفى سنة ٤٠٣ هـ إذ ألف فيه كتابا باسم «الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين» وهو أوسع من كتاب محمد بن سحنون وأكثر تفصيلا، وفيه تحدث عن آداب معلم الإناث وما يصلح أن يعلّم للناشئة وما لا يصلح وسياسة المعلم فى تعليم الصبية إلى غير ذلك من موضوعات طريفة.
وكانت الدار الثانية للتعليم بعد الكتّاب المسجد، حيث كان الشيوخ يتحدثون فى التفسير والحديث النبوى والفقه واللغة العربية والناس يتحلقون حولهم كما تتحلق الناشئة والشباب للتعلم وأخذ ما لديهم من تعاليم الدين وعلوم الإسلام والعربية. وقد أخذت تبنى فى القيروان وتونس وغيرها من البلدان مساجد كثيرة، ومرّ بنا أن جميع أعضاء البعثة التى أرسلها عمر بن عبد العزيز إلى القيروان لتعليم الفقه والتفسير والحديث النبوى بنى كل منهم مسجدا وألحق به كتّابا. أما الكتاب فلتحفيظ القرآن، وتنعقد الصلاة فى المسجد، ويجلس الشيخ فى جانب منه يلقى بعض دروسه الدينية.