صحن جامع الزيتونة، ونقل إليها كتب مكتبة أبى فارس وجعل لها وقتا محددا للاطلاع وقومة ومناولين وسميت نسبة إليه باسم المكتبة العبدلية. وعبث الإسبان حين استولوا على تونس- فى القرن العاشر الهجرى-بهذه المكتبة وعاثوا فيها فسادا، وأنقذ بعضهم منها كتبا أرسل بها إلى مكتبة الفاتيكان بروما، ولا تزال بها إلى اليوم. ولم يكن العثمانيون أصحاب حضارة ولا ثقافة، فلم يعنوا بمكتبات تونس العناية الواجبة، حتى إذا قامت الدولة المرادية أخذ النشاط يعود إلى جامع الزيتونة ومكتبته، واطرد هذا النشاط فى عهد الدولة الحسينية منذ استولى على مقاليد الحكم مؤسسها حسين بن على إذ عين بالجامع أربعين مدرسا فى مختلف العلوم الدينية واللغوية وأجرى لهم رواتب، وانتظم التعليم بالجامع منذ ذلك الحين.
٢ - علوم (١) الأوائل
لا يذكر أحد من أصحاب علوم الأوائل قبل أيام الدولة الأغلبية إلا ما يتردّد فى كتب التراجم عن أشخاص يسمونهم فقهاء البدن، ولم يكونوا أطباء بالمعنى الدقيق لكلمة طب، إذ كانوا يعتمدون على بعض المعارف والخبرات البسيطة. وأول ذكر للطب بمعناه الدقيق-وبالمثل لعلوم الأوائل-نلتقى به فى عهد الدولة الأغلبية حينما أنشأ إبراهيم الثانى الأغلبى (٢٦١ - ٢٨٩ هـ) فى عاصمته رقّادة بجوار القيروان بيت الحكمة الذى ألممنا به فيما أسلفنا، إذ استقدم له من بغداد الدارسين للطب ولعلوم الأوائل كى ينهضوا بالدراسة فيه، وكان ممن استجابوا له فى سنة ٢٦٤ هـ/٨٧٧ م إسحاق بن عمران، وكان حاذقا بالطب وعلوم الأوائل، وفيه يقول إبراهيم الرقيق مؤرخ القيروان:«كان إسحاق طبيبا حاذقا متميزا بتأليف الأدوية المركبة بصيرا بتفرقة العلل» ويقول ابن جلجل الأندلسى فى كتابه طبقات الأطباء: «به ظهر الطب فى المغرب وعرفت الفلسفة» ويقول صاعد الأندلسى: «ممن اشتهر بعلم الطب وسائر العلوم المستنبطة من العلم الطبيعى إسحاق بن عمران، وكان مقدما فى جودة قريحته وصحة
(١) انظر فى علوم الأوائل بإفريقية التونسية كتاب طبقات الأطباء لابن جلجل وطبقات الأمم لصاعد والجزء الأول من البيان المغرب لابن عذارى وأخبار الحكماء للقفطى ومقدمة ابن خلدون، وطبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة ومعالم الإيمان لابن ناجى وبرنشفيك ٢/ ٣٨٧ وما بعدها. والجزء الخامس من تاريخ الأدب العربى لبروكلمان والقسم الأول من كتاب ورقات عن الحضارة العربية. بإفريقية التونسية والعلم عند العرب لألدومييلى وتاريخ الأدب الجغرافى العربى لكراتشكوفسكى.