للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشدّه

قلت: درّاعة عرى ... تحتها جبّة رعده

والدراعة: ثوب من صوف، وبلغ من وهم خياله أن جعل للعرى دراعة وللرعدة من برد الشتاء جبّة. وما أظنه كان يصور شبئا من حقيقة حياته، فقد كان على غير قليل من اليسار. وكأنه فى البيتين استعار من معاصريه هذا اللون من التفاقر وإظهار الخصاصة، وكان لهما شعراء معروفون هم شعراء الكدية، فجاراهما فى بيتيه تظرفا ودعابة.

وقد توفى سنة ٣٨٥ للهجرة.

ابن الحجّاج (١)

هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد، نسب إلى جدّ له يسمى الحجاج، ويبدو أن أباه كان من العمال، وعنى بتربية ابنه، فاختلف إلى مجالس الفقهاء والعلماء فضلا عن مجالس الأدب، والتحق بالدواوين كاتبا ثم أصبح ضامنا لفرائض الصدقات بسقى الفرات مدة، ثم تولى حسبة بغداد فترة إلى أن عزل بأبى سعيد الإصطخرى الفقيه الشافعى. وكان أكبر شعراء زمانه فى التماجن والتعابث، وهو يخطو فيهما خطوات بعيدة بالقياس إلى ابن سكرة، حتى زعم الرواة والنقاد أنه «فرد زمانه فى فنّه الذى شهر به وأنه لم يسبق إلى طريقته، ولم يلحق شأوه فى نمطه» وفيه يقول أبو حيان: «سخيف الطريقة بعيد من الجدّ، قريع (فحل) فى الهزل، ليس للعقل من شعره منال، ولا له فى قرضه مثال، على أنه قويم اللفظ سهل الكلام، وشمائله نائية بالوقار، عن عادته الجارية فى الخسار، وهو شريك ابن سكرة فى هذه الغرامة، وإذا جدّ أقعى (٢)، وإذا هزل حكى الأفعى» ويقول صاحب اليتيمة: «هو وإن كان فى أكثر شعره لا يستتر من العقل بسجف (٣)، ولا يبنى جلّ قوله إلا على سخف، فإنه من سحرة الشعر، وعجائب العصر. . وأشعاره مشوبة بلغات الخلديين (أصحاب الحرف) والمكدين (أدباتية العامة) والشطار. .

وكلامه يمدّ يد المجون فيعرك بها أذن الحرم، ويفتح جراب السخف فيصفع قفا العقل، ولكنه على علاته تتفكه الفضلاء بثمار شعره، وتستملح الكبراء بنات طبعه. . ولقد مدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء. . وهو عندهم مقبول الجملة غالى مهر الكلام، موفور


(١) انظر فى ترجمة ابن الحجاج وأشعاره اليتيمة ٣/ ٣٠ وتاريخ بغداد ٨/ ١٤ ومعجم الأدباء ٩/ ٢٠٦ والإمتاع والمؤانسة لأبى حيان ١/ ١٣٧ وابن خلكان ٢/ ١٦٨ والشذرات ٣/ ١٣٦.
(٢) أقعى هنا: قعد ولم يتم جده.
(٣) سجف: ستر.

<<  <  ج: ص:  >  >>