للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حذار من وصل من بليت به ... فقد لقيت الرّدى بجفوته

دنوت منه كيما أقبّله ... فلم تدعنى نيران وجنته

فقد جعل النيران المشتعلة فى وجنات محبوبته وخدودها تدفعه دفعا وتردّه ردا عنيفا، ومن هذا النمط قوله متغزلا:

منعتنى من مقبّله ... حين أدنو منه عقربه

واستدارت فهى تحرسه ... من فمى بخلا وترقبه

وكانت النساء تلوى على أصداغها خصلة من شعرها فى شكل عقرب تزينا وتجملا، فاستغل ذلك حتى النهاية، إذ الخصلة مثل العقرب تستدير وترتفع فى طرفها، وكأنها تراقب صاحبتها وتستعد للدغ من يقترب من خدودها. ولن نستطيع أن نروى شيئا من فحشه فى الغزل، ونكتفى بذكر بعض أبيات تصور مجونه دون أن تؤذى الذوق، من ذلك قوله:

ويوم لا يقاس إليه يوم ... يلوح ضياؤه من غير نار

أقمنا فيه للذّات سوقا ... نبيع العقل فيها بالعقار

فهو يعيش للإكباب على اللذات والانهماك فى المجون والعبّ من الخمر وإنه ليقيم للمجون سوقا يبيع فيه عقله بيع وكس بدنّ زهيد من الخمر يفقده رشده، ومن قوله:

اشرب فلليوم فضل لو علمت به ... بادرت باللهو واستعجلت بالطّرب

ورد الخدود وورد الروض قد جمعا ... والغيم مبتسم والشمس فى الحجب

لا تحبس الكأس واشربها مشعشعة ... حتى تموت بها موتا بلا سبب

وقد جعل كل شئ فى الزمان والمكان يحث على اللهو والطرب، فقد اجتمعت الخمر وورد الخدود كما يقول وورود الرياض فى يوم من أيام الشتاء الغائمة الباسمة. ويذكر أن ذلك كله يدعو لاحتساء الخمر حتى الموت موتا بلا سبب، دعابة مقصودة، ومن قوله:

قد بدا الصبح مؤذنا بسفور ... وفرى الفجر حلّة الدّيجور (١)

فاسقنى قهوة تترجم بالرّقّ‍ ... ة عن دمع عاشق مهجور

فالخمر رقيقة رقة دمع العاشق لكثرة حباته المتساقطة من مآقيه. ولو عرف قيمة الملكة الشعرية التى رزقها لحفظ لها حقها ولم يسقط فى شعر الفحش والمآثم، ولا لطخ أشعاره بهذا الدنس. وله هجاء كله سخرية ووخز كوخز الإبر. وكان واسع الخيال إلى درجة الوهم على نحو ما نرى فى قوله:


(١) فرى: شقّ. الديجور: الظلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>