وما أبأس الحياة من رحلة، وما أبأس ركب هذه الرحلة، فليس لهم فيها حق فى الريث والأناة، ولا فى التمهل والوقوف، إنها لا تزيد عن ساعة تنزلها قافلة، وسرعان ما يصيح فى ركبها مناد بالرحيل السريع، وكل من فى الركب يبكى وينوح ويئن أنينا لا ينقطع، أب يئن ويذرف الدموع مدرارا على أبنائه، وأبناء أيتام يئنون ودموعهم لا تجف ولا ترقا على آبائهم وأمهاتهم، وكأنما يقطعون جميعا واديا كله غصص وآلام، إنه وادى الموت يجوسون خلاله، وهم لا يدرون. وأعجب العجب أن يحرص الإنسان على إرث الأرض وملكها، وهو موروثها ومملوكها الذى سرعان ما يزول ويفنى، بينما هى باقية على كرّ الدهور، وما أعظمها عبرة، فكل إنسان مهما بلغ من الثراء أو المجد يخرج من دنياه كغيره محمولا على أعواد، وسرعان ما يلقى عليه رداء التراب الثقيل. ويقول ابن عرّام
وإذا الأهل والأقارب والأح ... باب راحوا فأنت فى الإثر غاد
فالقبور البيوت مضجعنا في ... ها وما إن سوى الثرى من وساد
كم أحال البلى إليه قديما ... جسدا ناعما من الأجساد
شاهد الموت لائح فى جبين ال ... حىّ منا فى ساعة الميلاد
فالكل ميت، وكل ما هناك سابق ومسبوق ورائح وغاد إلى القبور: البيوت الدائمة التى نضطجع فيها على وسائد الثرى، لا فرق بين إنسان وإنسان، فنحن جميعا بنو الموت، ونحن جميعا سكان القبور ومنذ يولد الإنسان يلوح على جبينه ساعة ميلاده شاهد موته وأنه ملقى به- طال أجله أو قصر-وراء تراب وأحجار.
ابن النقيب (١): الحسن بن شاور الكنانى
ولد بالفسطاط سنة ٦٠٨ وتوفى سنة ٦٨٧ وهو بذلك من شعراء الدولتين: الأيوبية والمملوكية، وكانت له عناية بالحديث النبوى. روى عنه الحافظ الدمياطى وغيره، واتصل بالأيوبيين، فعينوه فى دواوينهم، وقد لقيه ابن سعيد الأندلسى مؤلف كتاب المغرب حين زار
(١) انظر فى ابن النقيب: الحسن بن شاور المغرب فى حلى المغرب لابن سعيد (قسم الفسطاط) ص ٢٥٨ وفوات الوفيات لابن شاكر ١/ ٢٣٢ والنجوم الزاهرة ٧/ ٣٧٦ وحسن المحاضرة للسيوطى ١/ ٥٦٩ وشذرات الذهب لابن العماد ٥/ ٤٠٠.