مكتبتها تشتمل على خمسمائة مجلد من الكتب النفيسة. ولم تكد تخلو بلدة فى ليبيا من زاوية تعنى بالعبادة وبث العلم والمعرفة.
[(ز) خمود فى الحركة العلمية]
أصاب الحركة العلمية بليبيا غير قليل من الخمود فى فترتين أما أولاهما فحين هاجر إلى ليبيا والمغرب أعراب بنى سليم وبنى هلال منذ سنة ٤٤٣ وكانوا بدوا جفاة، فأنزلوا بليبيا دمارا كثيرا، وخاصة فى حضرها ومدنها، شلّ العمران فيها والحياة العلمية إلى نحو قرن من الزمان، ولم تلبث طرابلس أن محنت باحتلال نورمان صقلية لها ثلاث عشرة سنة طوالا، وثار أهلها عليهم ومزّقوهم ذات ليلة شر ممزّق، ودانوا لدولة الموحدين المغربية، ولم يكد يمضى نحو ربع قرن حتى أصبحت ليبيا فى طرابلس وبرقة مسرحا لأطماع قراقوش وابنى غانية على نحو ما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، وظلوا يعيثون فى ليبيا فسادا عشرات السنين. وكل ذلك أثر فى الحركة العلمية بليبيا واعتراها كثير من الخمود، غير أنه خلال كل هذا الرماد الثقيل الذى انهال عليها لنحو قرن ونصف من الزمان ظل بها وميض جمر علمى يلمع من حين إلى حين، مما هيأ لاستمرار الحركة العلمية ببلدانها وظهور نفر من العلماء بها حملوا مصابيح العلوم المختلفة شرعية ولغوية. وتصبح برقة-أو تظل-موالية لمصر فى عهد الأيوبيين والمماليك وتصبح طرابلس موالية للدولة الحفصية، وترعى حركتها العلمية بما أنشأت فيها من مدارس وتعيد لها غير قليل من ازدهارها القديم.
وتعود الحركة العلمية إلى الخمود بطرابلس حين ظلت نحو أربعين عاما فريسة للإسبان ثم لفرسان مالطة فى القرن العاشر الهجرى، وتخلفهما الدولة العثمانية، ولم يكن العثمانيون أصحاب حضارة ولا أصحاب علم وثقافة، ولذلك انتكست البلاد الإسلامية جميعها التى ضموها إلى دولتهم سواء فى المشرق مثل العراق والشام ومصر أو فى المغرب مثل ليبيا وتونس والجزائر وتراجعت فيها الحركة العلمية وأصابها غير قليل من العطل والخمود، إذ لم يكن الولاة العثمانيون يشجعون العلماء فى طرابلس-وبالمثل فى برقة حين دانت لهم-تشجيعا ماديا بفرض رواتب لهم ثابتة بحيث تحدث بينهم غير قليل من التنافس والنشاط العلمى الخصب، كما تحدث فى مجالسهم غير قليل من الجدل فى العلوم ومسائلها الشرعية واللغوية، ويلاحظ ذلك الرحالة المغاربة فى رحلاتهم إلى الحج ومرورهم بطرابلس على نحو ما ذكر عند ابن عبد السلام الناصرى فى رحلته الحجازية الكبرى حين مر بطرابلس سنة ١٢١١ هـ/١٧٩٦ م إذ يقول: «إن أئمة طرابلس مع لطافتهم وديانتهم وحسن أخلاقهم لا يقيمون بها مجالس العلم والتدريس، غافلين عن المنافسة فى هذا الأمر النفيس، وكأنها عليهم تعذّرت أو عادة عندهم قد