من المعروف أنه يوجد عند الغربيين منذ اليونان أنواع مختلفة من الشعر، يردها نقادهم إلى أربعة أضرب، شعر قصصى وتعليمى وغنائى وتمثيلى، ويمتاز الضرب الأول بأن قصائده طويلة، فالقصيدة منه تمتد إلى آلاف الأبيات، وتتوالى فيها حلقات من الأحداث تنعقد حول بطل كبير، وقد يوجد بجانبه أبطال، ولكن أدوارهم ثانوية. وهى فى حقيقتها قصة إلا أنها كتبت شعرا، فالتسلسل القصصى فيها دقيق والانتقال بين أجزائها منطقى محكم، وهى قصة تفسح للخيال مجالا واسعا، ولذلك كانت تكثر فيها الأساطير والأمور الخارقة، وكانت الآلهة تظهر فيها عند اليونان بدون انقطاع. وخير ما يمثلها عندهم الإلياذة لهوميروس وقد نقلها إلى العربية منذ فاتحة هذا القرن سليمان البستانى، ولكثير من الأمم القديمة والحديثة قصائد قصصية تشبهها، فللرومان الإنيادة لفرجيل، وللهنود الرامايانا والمهابهاراتا وللفرس الشهنامة للفردوسى وللألمان أنشودة الظلام وللفرنسيين أنشودة رولان.
والشاعر فى هذا الضرب القصصى لا يتحدث عن عواطفة وأهوائه، فهو شاعر موضوعى ينكر نفسه، ويتحدث فى قصته عن بطل معتمدا على خياله، ومستمدّا فى أثناء ذلك من تاريخ قومه، وكل ما له أنه يخلق القصة ويرتب لها الأشخاص والأشياء، ويجمع لها المعلومات، ويكوّن من ذلك قصيدته، وعادة ينظمها من وزن واحد لا يخرج عنه. ولم تعرف الجاهلية هذا الضرب من الشعر القصصى، وهى كذلك لم تعرف الضرب الثانى من الشعر التعليمى الذى ينظم فيه الشاعر طائفة من المعارف على نحو ما نعرف عند هزيود الشاعر اليونانى وقصيدته «الأعمال والأيام» التى يصور فيها فصول السنة والحياة الريفية، وعند هو راس الشاعر الرومانى فى قصيدته «فن الشعر» التى نظمها فى قواعد الشعر ونقده، وكما هو معروف عن أبان بن عبد الحميد شاعر البرامكة فى قصيدته التى نظم فيها أحكام الصوم والزكاة. وكذلك لم يعرف الجاهليون الشعر التمثيلى الذى يعتمد على مسرح وعلى حركة وعمل معقد وحوار طويل بين الأشخاص، تتخلله مشاهد ومناظر مختلفة.