للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عددهم وشدة بأسهم وكثرة وقائعهم وحسد العرب لهم على دارهم، وتخومهم وسط أعدائهم، حتى كأنهم وحدهم يعدلون بكرا كلها، ومع ذلك لم نر قبيلة قط أقل شعرا منهم. وفى إخوتهم عجل قصيد ورجز وشعراء ورجّازون. وليس ذلك لمكان الخصب وأنهم أهل مدر وأكّالو تمر، لأن الأوس والخزرج كذلك، وهم فى الشعر كما قد علمت. وكذلك عبد القيس النازلة قرى البحرين، فقد نعرف أن طعامهم أطيب من طعام أهل اليمامة. وثقيف «سكان الطائف» أهل دار ناهيك بها خصبا وطيبا، وهم وإن كان شعرهم أقل فإن ذلك القليل يدل على طبع فى الشعر عجيب. وليس ذلك من قبل رداءة الغذاء، ولا من قلة الخصب الشاغل والغنى عن الناس، وإنما ذلك على قدر ما قسم الله لهم من الحظوظ والغرائز. . وبنو الحارث ابن كعب (سكان نجران) قبيل شريف يجرون مجارى ملوك اليمن ومجارى سادات الأعراب أهل نجد، ولم يكن لهم فى الجاهلية كبير حظّ فى الشعر، ولهم فى الإسلام شعراء مفلقون. . وقد يحظى بالشعر ناس ويخرج آخرون، وإن كانوا مثلهم أو فوقهم. . وقد كان فى ولد زرارة (جد بطن من تميم) لصلبه شعر كثير كشعر لقيط وحاجب وغيرهما من ولده. ولم يكن لحذيفة ولا حصن ولا عيينة بن حصن ولا لحمل بن بدر شعر مذكور» (١).

ومن المحقق أنه فقد كثير من الشعر الجاهلى، إذ عدت عليه عوادى الرواية وتلك الرحلة الطويلة التى قطعها من الجاهلية إلى عصور التدوين، ويروى عن أبى عمرو بن العلاء أنه كان يقول: «ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير (٢)». ونحن لا نبالغ مبالغة أبى عمرو، فقد بقى منه كثير ألّفت فيه مجلدات ضخام، إذ حافظت القبائل بكل ما استطاعت على قصائده الطوال ومقطعاته القصار وكثير من أبياته المفردة، وما زالت تحافظ عليه، حتى أسلمته إلى أيدى رواة أمناء سجلوه ودونوه.


(١) الحيوان ٤/ ٣٨٠ وما بعدها
(٢) ابن سلام ص ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>