تزل محسنا لعبادك غنيا جوادا، فأنت الخالق المعز المذل، وقد عم امتنانك وعمت عطاياك كل الخلق، وها هم فقراء وأغنياء يقفون ببابك خاضعين. ولأحمد بن عبد العزيز الهلالى فى العصر العلوى المتوفى سنة ١١٧٥ هـ/١٧٦١ م هذا الدعاء (١):
لك الحمد كلّ الحمد يا راحم الضّعف ... ويا دائم الإحسان والرفق واللّطف
لك الحمد ثم الشكر دون نهاية ... على نعم جلّت عن العدّ والوصف
إليك مددنا الكفّ كيما تمدّنا ... بما نرتجى يا مالك البسط والكفّ
فعاف ودافع واحم يا ربّ واكفنا ... بحفظك ما نخشى فغيرك لا يكفى
وأبق علينا السّتر فى كلّ حالة ... بفضلك فى الدنيا والاخرى بلا كشف
وأعظم وأعزز-يا عزيز-جنابنا ... وحطنا من الخذلان والضّيم والخسف
وزدنا من الخيرات فوق مرامنا ... بفضلك-يا مولى-تعالى عن الكيف
وهو يضرع إلى ربه قائلا لك الحمد يا راحم الضعفاء ويا دائم الإحسان وما يطوى فيه من الرفق واللطف، لك الحمد والشكر الذى لا نهاية له على نعم أسبغتها علىّ، وهى تجلّ عن أن تعدّ أو توصف، وإليك مددنا الكف داعين كى تعطينا ما نأمل يا مالك الإعطاء والمنع فامنحنا العافية وادفع عنا كل بلاء واحمنا منه يا رب واحفظنا من كل ما نخشى وأدم علينا الستر فى الدنيا والآخرة، وأعظم وأعزز حمانا وحطنا برعايتك من الخذلان والضيم والخسف وزدنا من طيبات الرزق فوق ما نريد بفضلك يا مولانا يا من تعاليت عن كل كيف وكل شبه بالمخلوقات. وأشعار الزهاد فى المغرب الأقصى طوال عصوره لا تكاد تحصى.
[(ب) شعراء التصوف]
التصوف-فى حقيقته-مبالغة فى الزهد والنسك وعبادة الله، ولذلك يعدّ كل ما ذكرناه من شعر الزهد مقدمة للتصوف، فالمتصوف من بالغ فى زهده وأخذ بركنين أساسيين من أركان التصوف وهما التوكل على الله والثقة فيه توكلا وثقة لا حد لهما حتى ليهمل أمر معاشه وكسب قوته. ومن قديم أو بعبارة أدق منذ القرن الرابع أخذت تشيع فيه طريقتان: طريقة فلسفية يتعمق الصوفى بها فى الحب الإلهى حتى ليفنى فيه شاعرا بضرب من الاتحاد مع سيد المخلوقات على نحو ما هو معروف عن الحلاج فى القرن الرابع الهجرى ثم من تابعوه أمثال ابن عربى. ومن حين إلى حين يلقانا بعض هؤلاء الصوفية المتفلسفين على نحو ما أوضحنا ذلك فى الجزء الخاص بالأندلس، وكان كثيرون من أصحاب هذا المنزع الأندلسيين ينزلون فى المغرب، وهو ما هيأ لظهور أمثال أبى مدين. غير أن هؤلاء فى رأبى كانوا شذوذا على الطريقة السنية