هم العرب العدنانيون الذين كانوا يسكنون فى الحجاز ونجد وتمتد عشائرهم وقبائلهم إلى باديتى الشام والعراق، وقد ظلوا يعيشون معيشة صحراوية بدوية تعتمد فى أكثر الأحيان على رعى الإبل والأغنام. ولم تهيئ لهم هذه الحياة الاستقرار فى سكنى دائمة، إلا حيث توجد بعض الواحات فى الحجاز. ويظهر أنهم أنشأوا فى بعض الأزمنة مملكة لهم بالجوف (دومة الجندل) فى أقصى الشمال بين العراق والشام، وقد خضعت لنفوذ الأشوريين إذ نرى ملوكهم يفخرون بالانتصار عليها كما نراهم يفخرون بالانتصار على الثموديين فى شمالى الحجاز حيث كانوا يقيمون فى العلا والحجر (مدائن صالح). وقد اتخذ نابونيد آخر ملوك دولة بابل الثانية أو الحديثة تيماء حاضرة له من سنة ٥٥٠ إلى سنة ٥٤٥ ق. م مما يدل على أنه كان بها حضارة زاهية.
وكل الدلائل تدل على أن العرب الشماليين لم يتجمعوا قبل الميلاد فى وحدة سياسية تجمع شملهم، فقد كانت طبيعة بلادهم تدفعهم إلى التشتت والتفرق والانقسام، ولم يهتدوا فى أثناء ذلك بهدى كهدى الإسلام يجمع كلمتهم ويؤلف بينهم، ويجعل منهم دولة واحدة، تلعب دورا واضحا فى التاريخ القديم. وقد كشفت نقوش آرامية فى تيماء الواقعة شمالى مدائن صالح تدل على أنه قامت فيها مستعمرة آرامية تجارية فى القرن الخامس ق. م. وكان للمعينيين مستعمرة فى ناحية «العلا» شمالى الحجاز، كشفت فيها نقوش معينية كثيرة، وكانت تسمى معين مصران، وكان سكانها من عرب الجنوب، وقد نقلوا إليها عباداتهم وهياكلهم المقدسة، وما زالوا ناشطين فى التجارة، حتى نشأت دولة النبط فى سلع «بطرا»، فكانت هى التى تنقل تجارة الجنوبيين إلى الشام ومصر، حتى إذا دالت دولتهم فى مستهل القرن الثانى الميلادى حملها اللّحيانيون الذين كانوا ينزلون فى دادان (العلا الحالية).
(١) انظر فى تاريخ العرب الشماليين كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ١/ ٢٢٠ - ٣٧٤، ٢/ ٢٧٧ وما بعدها، ٣/ ٥ وما بعدها، ٣/ ٤٢٣ وما بعدها.