هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجى المصرى، ولد لفقيه شافعى بسر ياقوس قرب القاهرة سنة ٩٧٧ ونشأ فى حجر أبيه يعلمه، ثم اختلف إلى شيوخ الأزهر فى زمنه، فأخذ النحو وعلوم العربية عن خاله أبى بكر الشعرانى والفقه الشافعى عن مفتى زمنه شمس الدين الرملى. ومضى ينهل من حلقات الشيوخ المختلفين الحديث والتفسير والأدب والمنطق وعلم الأصول، ورحل مبكرا مع أبيه إلى حج بيت الله وأخذ عن شيوخ الحرمين لأيامه. ولم يعد إلى مصر بعد الحج، بل رحل إلى القسطنطينية عاصمة الدولة العثمانية فأخذ عن شيوخها، وفى طريقه إليها نهل من حلقات الشيوخ فى بيت المقدس ودمشق. وعرف فضله فى القسطنطينية فعين قاضيا فى الرومللى ثم فى سلانيك. وعينه السلطان مراد قاضيا للعسكر بمصر، فظل بها مدة، وزار القسطنطينية فلقيه مفتيها يحيى بن زكريا لقاء سيئا وأمر بعزله. وعاد إلى مصر وعين قاضيا فى القاهرة وأخذ يصنف ويحاضر طلابه وأتوه من كل بلد عربى، ومن أهمهم عبد القادر البغدادى صاحب الخزانه، وظل على ذلك حتى وفاته سنة ١٠٦٩ للهجرة، وكان ما حدث له فى لقاء المفتى سببا فى أن يكتب رسالة فى بيان فساد القضاء والحكم فى القسطنطينية وأتبعها بخمس مقامات يصور فيها تفاقم الأحوال بعاصمة الخلافة. وكان إلى ذلك عالما ومؤرخا كبيرا، صنف حاشية على تفسير البيضاوى طبعت بمصر فى ثمانية مجلدات وحاشية على شفاء القاضى عياض طبعت فى أربع مجلدات وله شفاء الغليل بما فى كلام العرب من الدخيل وهو كتاب نفيس طبع مرارا. وصنف فى تراجم الأدباء لزمنه فى جميع البلدان العربية كتابه «ريحانة الألبا» الذى نذكره كثيرا فى هوامش الفترة العثمانية ومثله خبايا الزوايا ولا يزال مخطوطا. وكان شاعرا مجيدا، وتحتفظ المكتبة التيمورية بديوانه مخطوطا، وقد أنشد من شعره كثيرا فى الريحانه وبالمثل أنشد منه كثيرا المحبى فى ترجمته له، وهى فى أكثر من مائة صفحة.
وقد دوّن الشهاب الخفاجى مقاماته التى أشرنا إليها فى ترجمته التى عقدها لنفسه فى نهاية كتابه الريحانة وسمى أولاها المقامة الرومية وهو يستهلها بقوله: «أنبأنا النعمان بن ماء السماء عن شقيق وقد رحل من وادى العقيق فى الحجاز إلى القسطنطينية، ويصفها بأن البحر قد مدّ لعناقها ساعديه
(١) انظر فى الشهاب الخفاجى ترجمته لنفسه فى نهاية ريحانة الألبا ٢/ ٣٢٥ وما بعدها ونفحة الريحانة ٤/ ٣٩٥ - ٤٧٧ وخلاصة الأثر ١/ ٣٣١ وسلافة العصر ص ٤٢٠