كان ظهور الإسلام إيذانا بتطور واسع فى الخطابة، إذ اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم أداة للدعوة إلى الدين الحنيف طوال مقامه بمكة قبل الهجرة حيث ظل ثلاثة عشر عاما يعرض على قومه من قريش وكلّ من يلقاه فى الأسواق آيات القرآن الكريم، وهو فى أثناء ذلك بخطب فى الناس داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، محاولا بكل طاقته أن يوقظ ضميرهم بما يصوّر لهم من قوة الكائن الأعلى مدبّر الكون ومنظمه، الذى لم يخلقهم عبثا، وإنما خلقهم ليعبدوه حق عبادته، وليستشعروا كل ما يمكن من الكمالات الروحية والاجتماعية والإنسانية، حتى تتم لهم السعادة فى الدنيا والآخرة.
وهاجر الرسول صلوات الله عليه إلى المدينة، فاتصلت خطابته، واتسعت جنباتها، بما أخذ يشرّع للمسلمين ويرسم لهم من حدود دولتهم ونظم حياتهم التى ينبغى أن تقوم على الإخاء والمساواة والتعاون فى سبيل الحق والخير، وهو فى تضاعيف ذلك يأخذهم بآداب رفيعة من السلوك السامى، مبينا لهم معانى الإسلام الروحية التى تقوم على معرفة الله الواحد الأحد والصلة به، كما تقوم على معرفة العمل الصالح وأن وراء هذه الحياة حياة أخرى يحاسب فيها الإنسان على ما قدّمت يداه ولو كان مثقال ذرّة. وما يزال يعرض أوامر الدين ونواهيه، واضعا الحلول لكثير من المشاكل الدنيوية، كمشكلة الرقيق ومشكلة توزيع الثروة ومشكلة العلاقات بين الرجل والمرأة، وغير ذلك من مشاكل حلّت بما يحقق سعادة الجنس البشرى وهناءته.