هو يحيى بن عبد العظيم ولد سنة ٦٠١ وتوفى سنة ٦٧٩ فهو من شعراء الدولتين: الأيوبية والمملوكية، نشأ بالفسطاط فى أسرة كانت تحترف الجزارة، ويقول ابن سعيد صديقه فى ترجمته له بكتاب المغرب: دكاكين أسرته فى الفسطاط عاينتها وأبصرته معهم بها. وكان فى أول أمره قصّابا وسال الشعر على لسانه وكانت ملكته خصبة فاحترفه، وقصد به السلاطين والأمراء وعمال الدولة فى الاسكندرية والمحلة ودمياط. وروى ابن سعيد فى ترجمته قطعة كبيرة من شعره ومدائحه، ويرجع تاريخ بعضها إلى سنة ٦٢٧ ويقول صاحب مسالك الأبصار:«قال الشعر وهو صغير أول ما احتلم، وطاف بأركان بيت له واستلم». ويشيد ابن سعيد بكرمه وما أغدق عليه من بره، ويذكر دعوته له مرارا للنزهة مع طائفة كبيرة من شعراء جيله أمثال ابن النقيب والسراج الوراق. وكانت للجزار مسامرات ولقاءات كثيرة مع البوصيرى والحمامى وابن دانيال، وجعله كرمه يقترب ممن كانوا يفدون على مصر أمثال ابن العديم وابن خلكان وابن سعيد الذى يشيد بوصف مروءته وكرمه وحسن عشرته. ويخيل إلى الإنسان كأن لم يبق سلطان ولا وزير ولا قاض ولا كبير فى الدولة إلا أسبغ عليه مدائحه، وهى مدائح وسطى ليست بالغة الجودة، ومع ذلك يقول الصفدى:«لم يكن فى عصره من يقاربه فى جودة النظم غير السراج الوراق، وهو كان فارس الحلبة، ومنه أخذوا وعلى نمطه نسجوا ومن مادته استمدوا» ويقول ابن سعيد: «رزق من حسن الاهتداء لغرائب المعانى وبدائع الالفاظ ما يدل على غوص فكره، وطريقه من أسهل الطرق التى يميل إليها العامة ولا ينكرها الخاصة، لقرب مأخذها وحسن منزعها».
وابن سعيد دقيق كل الدقة فى وصف لغة الجزار بأنها سهلة تميل إليها العامة، مع فصاحتها، وهى ظاهرة ترجع إلى نشأته، وأنه تربى بين طبقة العامة فى الفسطاط لزمنه، فطبيعى أن لا يجنح فى أشعاره إلى الألفاظ الغريبة إنما يجنح إلى الألفاظ الواسطة بين لغة العامة ولغة الخاصة بحيث يرضى الطرفين ويقع منهما موقعا حسنا. والجزار إحدى حلقات هذه السلسلة التى تصور صلة عامّة
(١) انظر فى الجزار وترجمته وشعره المغرب (قسم الفسطاط) ص ٢٩٦ وحسن المحاضرة ١/ ٥٦٨ وفوات الوفيات ٢/ ٦٣٠ ومسالك الأبصار لابن فضل الله العمرى (مخطوطة دار الكتب المصرية) ١٢ الورقة ١٦٦ والنجوم الزاهرة ٧/ ٣٤٥ وشذرات ابن العماد ٥/ ٣٦٤ ومطالع البدور للغزولى ٢/ ١٩١ وما بعدها، وبمكتبة جامعة القاهرة مصورة لمنتخبات من شعره بخط الصفدى فى ١٨٠ ورقة.