أين للعنكبوت بيت ضعيف ... مثله وهو مثل عقلى الضعيف
بقعة صدّ مطلع الشمس عنها ... فأنا-مذ سكنتها-فى الكسوف
وهو يذكر عبث بنات وردان فيه وضيقه الشديد وقبحه، ويقول أنه يشبه بيت شعر سخيف من أشعار ابن حجاج المفحشة، ويقول إنه-مذ سكنه-فى الكسوف ولا يريد كسوف الشمس وهو المعنى القريب الملائم لما قبله، وإنما يريد المعنى البعيد من الخجل والاستحياء الشديد. وهى تورية واضحة. ومن قوله الفكه يشكو شيخوخته ووهن عظمه وكلال بصره:
عشت خمسين بل تزي ... د رقيعا كما ترى
أحسب المقل بندقا ... وكذا الملح سكرا
وأظن الطويل من ... كلّ شئ مدوّرا
قد كبر بر ببر ببر ... ت وعقلى إلى ورا
عجبا كيف كلّ ش ... يئ أراه تغيرا
لا أرى البيض صار يؤ ... كل إلا مقشّرا
وإذا دقّ بالحجا ... ر زجاج تكسّرا
وهو يعلن فى مطلع الأبيات أنه عاش ماجنا رقيعا، وكأنه لن يكفّ عن رقاعته ومجونه، ويصور شيخوخته وضعف نظره حتى لم يعد يفرق بين ثمر الدوم المسمى بالمقل والبندق ولا بين الملح والسكر ولا بين الطويل والمدور، ويجسّم ارتعاشه فى شيخوخته بالبيت الرابع إذا لم يكد يلفظ بكلمة كبرت حتى ارتعش به فمه مكونا شطرا من بيت، ويعجب أن كل شئ تغير، ونقرأ ما تغير فنستغرق فى الضحك، إذ تحولت الحقائق فى عقله الكليل إلى عجائب، فالبيض يؤكل مقشرا، والزجاج إذا دق بالحجارة تكسر. وما من ريب فى أن هذه الفكاهة فيه والدعابة هى التى جعلت المصريين لزمنه يلقبونه ابن مكنسة.