مدحها بأشعار لمغاربة فى تقريظها وتقريظ أهلها، ومن قوله:«وحسن أخلاق أهلها وجودهم سارت به الركبان، وعلم علمائها امتلأ به الخافقان، وفضلهم من شمس الضحى أظهر وأوضح، وما زالت الأشراف تهجى وتمدح». وابن عبد الدائم أحد من امتعضوا امتعاضا شديدا من ذم العبدرى لها ولأهلها، مما جعله ينظم قصيدة فى الرد عليه، كان لها دوىّ غير قليل، وفيها يقول:
طرابلس لا تقبل الذمّ إنها ... لها حسنات جاوزت سيئاتها
إذا أمّها من قد نأته بلاده ... وأوحشه ذو أمرها من حماتها
تطامن عن نفس ومال وعشرة ... ويضحى بعزّ ما ثوى بجهاتها
لها همّة تعلو لتأييد سنّة ... بحفظ مبانيها وجمع رواتها
وهو يقول إن طرابلس لا تذم ولا تهجى، فحسناتها أكثر من سيئاتها ومحامدها أكثر من أن تحصى، ويذكر أن الغريب الطريد من بلاده وحكامها الجائرين إذا نزلها أمن على نفسه وماله وأهله، ويشعر بعز ما بعده عز طوال إقامته، وينوه بهمتها فى العلوم وخاصة فى تأييد السنة بحفظ نصوصها وأسانيد رواتها. والقصيدة فى تسعة وعشرين بيتا وقد شرحها مواطنه ابن غلبون المتوفى سنة ١١٧٧ هـ/١٧٦٤ م فى كتاب سماه:«التذكار فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخيار». وشعر القصيدة وأختها السابقة متوسط، وكأن طرابلس وليبيا جميعا استبقتا نهضتهما فى الشعر إلى عصرهما الحديث عند رفيق المهدوى ونظرائه.
٥ - النّثر
من المؤكد أن ليبيا أنتجت نثرا كما أنتجت شعرا غير أن نثرها لم تحتفظ به الكتب إلا قليلا جدا إذ كثيرا ما نقرأ فى كتب التراجم لهذا الطرابلسى أو لهذا البرقى رسالة أو مقامة، ويكتفى بمثل هذه الإشارة ولا تذكر المقامة ولا تذكر الرسالة، وبالمثل نسمع عن هذا الفقيه الكبير أو ذاك أنه تولى قضاء طرابلس والخطابة أو تولّى الخطابة بالجامع الأعظم فى تونس ولا تذكر لهذا ولا لذاك خطبة. وقد يكون من أسباب عدم الاهتمام بتسجيل فنون النثر فى طرابلس وبرقة وغيرهما من مدن ليبيا أنه لم تنشأ بها دولة ترعى الأدب وتحميه وتحدث بتشجيعها له وحاجتها إليه نهضة أدبية واسعة كما حدث فى تونس وغير تونس من البلدان العربية، ولو أنه نشأت فى