للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسحب تبكى بدمع مدرار، وللرياح زفير وشهيق. ويقول لقد غربت نجومكم وما أظن بعدها فى الليل نجوم تغور فى سماء المجد والعلاء. وقال يرثى والدته حين توفيت بعد قدومها من حجّ بيت الله:

أبكيك لو نهضت بحقّك أدمع ... وأقول لو أن النوائب تسمع

لا يغبطنّ على البقاء مرزّأ ... إن المودّع إلفه لمودّع

قبحا ليومك فالنوائب بعده ... جلل وكلّ رزيّة لا تفجع (١)

لو كان ينفعنى السلوّ نبذته ... أسفا عليك فكيف إذ لا ينفع

عجبا لمن يبقى ذخائر ماله ... ويظلّ يحفظهن وهو مضيّع

ولغافل ويرى بكلّ ثنيّة ... ملقى له بطن الصفائح مضجع (٢)

يا قبر فيك الصالحات دفينة ... أفما تضيق بهنّ أو تتصدّع

وهو يقول إن أى دموع له لا تفى بحقوق أمه عليه وأى أنين له لا تسمعه النوائب، ويقول إن أحدا لا يغبط على بقائه، فما تلبث رحى الموت أن تطحن الباقين المودعين. وما أقبح اليوم الذى سمع فيه رزء أمه. فالنوائب بعده صغيرة والرزايا لا تفجعه، ولو ينفعه السلولسلا؟ ؟ ؟ ، ولكنه لا ينفع أى نفع. ويعجب لمن يجمع المال وعما قليل يضيع، وللغافل عن الموت وفى كل عطفة بطريق من طرقه مضجع معدّ له: حفرة وصفائحها من الحجارة. ويلتفت إلى قبر أمه ويعجب أنه لا يتصدع وفيه هذه الأم الكريمة. وفى ديوان ابن سنان وراء ذلك مدائح وغزليات وفيه عظات بديعة.

الغزّىّ (٣)

هو إبراهيم بن يحيى بن عثمان الكلبى الغزىّ، ولد بغزّة فى فلسطين سنة ٤٤١ للهجرة وبها نشأ وتعلم، وسال الشعر على لسانه، حتى إذا بلغ من عمره أربعين عاما دخل دمشق وسمع من شيوخها، ثم رحل إلى بغداد وأقام بها فى المدرسة النظامية سنين كثيرة، ومدح ورثى غير مدرس، ثم مضى إلى إيران وخراسان وامتدح بهما جماعة من الحكام والرؤساء. ويقول العماد الأصبهانى فى الخريدة: جاب البلاد وتغرّب، وأكثر التنقل والحركة وتغلغل فى أقطار كرمان بفارس وأقطار


(١) جلل: يأتى بمعنى عظيم وبمعنى صغير حقير فاللفظة من ألفاظ الأضداد.
(٢) الثنية: الطريق والعطفة فيه. الصفائح جمع صفيحة وهى العريض من الحجارة والألواح.
(٣) انظر فى الغزى وشعره الخريدة (قسم الشام) ١/ ٣ وما بعدها وابن خلكان ١/ ٥٧ والنجوم الزاهرة ٥/ ٢٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>