خراسان. ومن مداحه ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان، وعماد الدين طاهر قاضى القضاة بشيراز. ثم أوغل شرقا متنقلا بين الحكام والقضاة والوزراء إلى أن توفى سنة ٥٢٤ بين مرو وبلخ بخراسان، ونقل جثمانه إلى بلخ ودفن بها عن ثلاثة وثمانين عاما.
وكان شاعرا بارعا وأكثر شعره فى المديح. وله غزل بديع أنشدنا منه قطعة فى حديثنا عن شعراء الغزل، ويبثّ فى أشعاره شكوى كثيرة، إذ كان يحس دائما بغربته وأنه لا يأخذ من الدنيا ما يأمله. شاعرا بأن سوق الآداب كسدت وأن الاجواد المؤمّلين قلوا فى البلاد، وفى ذلك يقول:
قالوا هجرت الشعر؟ قلت ضرورة ... باب الدواعى والبواعت مغلق
خلت الديار فلا كريم يرتجى ... منه النّوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى ... ويخان فيه-مع الكساد-ويسرق
وهو لا يشكو من كساد الشعر فحسب. بل يشكو أيضا من أنه يسرق، وباب السرقات الشعرية فى النقد العربى باب واسع. ويقول العماد تعليقا على هذه الأبيات: «الغزى حسن المغزى وما يعزّ من المعانى الغرّ معنى إلا إليه يعزى، يعنى بالمعنى ويحكم منه المبنى، ويودعه اللفظ إيداع الدرّ الصدف، والبدر السّدف» ويورد طائفة من روائع أبياته منها قوله:
إنى لأشكو خطوبا لا أعيّنها ... ليبرأ الناس من لومى ومن عذلى
كالشّمع يبكى ولا يدرى أعبرته ... من صحبة النار أم من فرقة العسل
فخطو به كثيرة بحيث لا يستطيع أن يعين منها خطبا دون خطب ولا أن يعلل لخطب دون خطب، فمثله كالشمع لا يعرف هل يبكى من فرقة الرّحيق أو من صحبة الحريق. ويقول شاكيا ضجرا من الأيام:
حملنا من الأيام مالا نطيقه ... كما حمل العظم الكسير العصائبا
وليل رجونا أن يدبّ عذاره ... فما اختطّ حتى صار بالفجر شائبا
فلا تحمد الأيام فيما تفيده ... فما كان منها كاسيا كان سالبا
والصور فى الأبيات بديعة، فقد حمل من الأيام خطوبا جعلته أشبه ما يكون بعظم كسير شدّت عليه العصائب وهو يتضوّر ألما، ويصور قصر الليل فما اختطّ عذاره الأسود حتى أسرع إليه الشيب. ويقول لا تحمد الأيام فيما تحمله إليك من نفع فإنها تنفث فيه سموما، وكل ما تظنه منها