كاسيا يسلبك الكساء المظنون، فإذا بك تعرى حرمانا وابتئاسا. ويقول:
الحظّ من جوهر الأشياء سله ولا ... تسأل من الله قدّا زانه الهيف
فالقوس فى قبضة الرامى لعزّتها ... والسهم من هونه يرمى به الهدف
لم يبق لى زمنى شيئا أسرّ به ... فالحمد لله لا فوز ولا أسف
عرّى أكابره من ثوب محمدة ... فالقوم فى السابغات اللّبّس الكشف
لم يقنعوا بحجاب البخل فاحتجبوا ... كما غلا بعد سوء الكيلة الحشف
وإن جرى غلط منهم بمكرمة ... فييضة العقر لا يرجى لها خلف
أعجب بهم قطّ فى الآراء ما اتفقوا ... على صواب وفى التقصير ما اختلفوا
فهو يشكو حظّه التعس وأن الإنسان حرى أن يطلبه من ربه لا أن يسأل حبا وما يشبه الحب، فالحظ مدار الحياة وقطبها، يرفع الأدنى ويخفض الأعلى، وما أشبه الغزّى بقوس عزيز فى قبضة الرامى تصوّب منه السهام الهينة فتصيب الهدف، ألا ما أتعس الحياة! . ويقول إن الزمن قضى على كل ما يدخل على نفسه السرور، فلم يعد هناك شئ ينتظر أن يظفر به أو يأسف على ضياعه.
ويقول إن الزمن عرّى أكابره من ثياب المحامد، وهم إن بدوا كاسين فحقيقتهم عارون مجردون من كل محمدة، وكأنما لم يكفهم حجاب البخل فاحتجبوا عن الناس جامعين بين سوءتين، كما يجمع بائع التمر بين حشفه أو أردئه وسوء كيله أو ميزانه. وإن غلط أحدهم وجاء بشئ كان ذلك بيضة العقر التى لا تبيض الدجاجة بعدها. ومن عجب أنهم لا يتفقون فى الرأى على شئ سوى ما كان من بخلهم وشح نفوسهم. يقول:
وجفّ الناس حتى لو بكينا ... تعذّر ما تبلّ به الجفون
فما يندى لممدوح بنان ... ولا يندى لمهجوّ جبين
فالناس قد جفوا بعد خصب وإيناع وورد وريحان حتى لو بكى الباكون ما وجدوا دموعا تبلّ جفونهم، إذ لم يعد هناك ممدوح يندى بنانه، ويغدق على الناس نواله، وأيضا لم يعد مهجو بخيل يندى جبينه خجلا وكسوفا. ويقول:
حبل المنى مثل حبل الشمس متصلا ... يرى وإن كان عند اللّمس مبتوتا