كانت فى الحجاز لهذا العصر إمارتان: إمارة مكة وكانت تتبعها قرى الطائف وجدة وبطن نخل وعسفان ومرّ الظّهران. وإمارة المدينة وكانت تتبعها قرى خيبر وفدك وينبع والفرع ووادى القرى ومدين. وكانت إمارة مكة للحسنيين من أحفاد الحسن بن على بن أبى طالب فى حين كانت إمارة المدينة للحسينيين من أحفاد الحسين بن على بن أبي طالب.
وكان الأولون يعتنقون المذهب الزيدى الشيعى، بينما كان الثانون يعتنقون المذهب الإسماعيلى على الأقل فى عصر الدولة الفاطمية. وكان لإمارة مكة المكانة الأولى، إذ كان المسلمون-ولا يزالون-يؤمونها سنويا من بقاع الأرض قاصيها ودانيها لأداء فريضة الحج، وكان من يدعى له من الخلفاء على منابرها سواء الخلفاء العباسيون أو الفاطميون يعد نفسه خليفة المسلمين قاطبة.
وأول أسرة حسنية حكمت مكة لهذا العصر هى أسرة بنى سليمان أو بنى موسى، وكان أول من حكمها منهم جعفر بن محمد بن الحسين لسنة ٣٥٦ فقد غلب عليها عقب وفاة كافور الإخشيدى، وراسله الخليفة المعز الفاطمى كى يقيم باسمه الخطبة فى موسم الحج، فأبى، مما جعله يجهّز له عسكرا لحربه سنة ٣٦٠ وساعد العسكر بنو الحسين أمراء المدينة، واستولوا على مكة فترة قليلة عادت بعدها إلى جعفر. وتولى بعده ابنه عيسى سنة ٣٧٠ فأذعن للعزيز الفاطمى، وأقام الخطبة باسمه، وظلت تقام باسم الفاطميين مدة متطاولة، وكانوا يرسلون لمكة وأميرها بالميرة، ومضت تدين لهم بالولاء بعد وفاة عيسى وولاية أخيه أبى الفتوح الحسن بن جعفر سنة ٣٨٤ وهو أهم أمراء الأسرة، وقد حاول أتباع الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمى أن يحملوه على أن يقرأ سجلا فى المسجد الحرام بالبراءة من أبى بكر وعمر وسبّ بعض الصحابة وبعض أزواج الرسول صلّى الله عليه وسلم، فرفض ذلك وقطع
(١) انظر فى أمراء مكة والمدينة تاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن خلدون (طبعة بولاق) الجزء الرابع والفاسى فى كتابيه: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (طبع دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة) والعقد الثمين فى تاريخ البلد الأمين (طبع القاهرة) وصبح الأعشى للقلقشندى فى مواضع متفرقة والدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة لابن حجر والنجوم الزاهرة لابن تغرى بردى (طبع دار الكتب المصرية) ومعجم البلدان لياقوت فى مكة والمدينة ووفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسمهودى (طبع مطبعة المؤيد) وخلاصة الكلام فى أمراء البيت الحرام لابن زينى دحلان وماضى الحجاز وحاضره للشيخ حسين محمد نصيف وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة ومقدمة تاريخ العرب الحديث-الجزء الأول-للدكتور عبد الكريم غرايبة ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة لزامباور (الترجمة العربية-طبع القاهرة).