للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مطارف السندس بالآفاق قد نشرت، وجيوش النّور (الزهر) حشدت ألوانها وحشرت:

والأرض تجلى عروسا فى ملابسها ... وشّت حلاها يد الأنواء بالزّهر (١)

والنسيم قد عطر بنشره الأندية، وغازل الأغصان فنازعها المطارف والأردية، وجرّ ذيل دلاله فى الآكام والأودية:

والريح تلطم فيه أرداف الرّبى ... مرحا وتلثم أوجه الأزهار

ومنابر الأغصان قد قامت بها ... خطباء مفصحة من الأطيار

. . والناظر الأديب المتأمل، ينشد قول المجنّس الممثّل.

إن هذا الربيع شئ عجيب ... تضحك الأرض من بكاء السماء

ذهب حيثما ذهبنا ودرّ ... حيث درنا وفضّة فى الفضاء

والجيش المنصور بحر متلاطم الأمواج، يسير فيملأ الفضاء ويغصّ الفجاج، ويقيم فيكون هالة على بدر سعود وشرف، وسور حفظ لا يعرف له طرف، قد رصّت صفوفه، وتعدّدت ألوفه، وتنوعت أجناسه وصفوفه».

والألفاظ والأسجاع والأبيات مختارة، بحيث تغمرها السلاسة ورونق العذوبة، مع حسن البيان، مما يكسب العبارات بهاء. وبدون ريب تدل مقامات ابن إدريس والمكلاتى والحضرمى- كما دلت الرسائل والخطب السابقة-على نهضة النثر فى المغرب الأقصى.

[(ب) الرحلات]

أعدت فريضة الحج وزيارة القبر النبوى-من قديم-لمسيرة القوافل سنويا من المغرب الأقصى إلى مكة والمدينة، مما جعل كثيرين هناك يشغفون بتلك الرحلة والكتابة عنها، وأيضا فإن مراكز الثقافة تعددت، فكان كثير من شباب المغاربة يودون لو تزودوا من هذه المراكز بما يأملون فيها من لقاء شيوخها بتنوع ثقافاتهم، وكانوا يشعرون أن من واجبهم التحدث عن هذه المراكز ومن التقوا بهم من شيوخها واستمعوا إليه وإلى ما دار أحيانا فى بعض المجالس من حوار علمى أو أسئلة علمية. وبهذين الدافعين أخذ كثير يرحلون فى هذه القوافل عبر البلاد المغربية ومصر والشام من أهل المغرب الأقصى، وعنى بعضهم بوصف رحلته ووصف البلدان التى نزلها وحلقات الشيوخ الذين استمع إليهم.


(١) الأنواء: الأمطار.

<<  <  ج: ص:  >  >>